للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد يقرب ببعضهم حتى لا يكاد يبعد عن تفسير أهل السنة المعتاد (١).

ولعل هذا هو سبب ولاء الصاوي لابن عربي الطائي، فكثيرًا ما يطلق عليه مسمى: (سيدى) (٢)، وقد كان هذا الاعتقاد منه مدعاة إلى التوقف عن الاستدلال بالظاهر على العقائد، حيث اشتهر بالمقولة الباطلة: "الأخذ بظاهر القرآن كفر" (٣).

والحق في هذه المسألة أن التفريق بين الظاهر والباطن من محدثات الأهواء والبدع، فإن علاقة الباطن بالظاهر علاقة ملازمة، لا يمكن بحال الفصل بينهما، فلا يستدل بالنص على أمر لا يدل ظاهره عليه مفهومًا أو منطوقًا، ولعلي أشير إلى بعض المعاني التي قد تكون صحيحة في نفس الأمر إلا أن علاقتها بالنص تكاد توسم بالبتر، حيث يضرب الإمام الشاطبى مثلًا لذلك الانحراف في الفهم.

فيقول: "لو فسر قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: ٤٣]: "بأن السكر هو سكر الغفلة والشهوة وحب الدنيا المانع من قبول العبادة في اعتبار التقوى، كما منع سكر الشراب من الجواز في صلب الفقه، وأن الجنابة المراد بها التضمخ بدنس الذنوب، والاغتسال هو التوبة، لكان هذا التفسير غير معتبر، لأن العرب لم تستعمل مثله في مثل هذا الموضع، ولا عهد لها به، لأنها لا تفهم من الجنابة، والاغتسال إلا الحقيقة".

كما يشير إلى ضرب آخر لا حقيقة له في الأصل ولا علاقة له بالنص على الإطلاق، فصلته بالمعنى المراد مبتورة تمامًا" ومثله قول من زعم أن النعلين في قوله تعالى: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} [طه: ١٢] إشارة إلى خلع الكونين، فهذا على ظاهره لا تعرفه العرب لا في حقائقها المستعملة ولا في مجازاتها".


(١) انظر: التفسير والمفسرون للذهبي، بحث: أهم كتب التفسير الإشاري: ٣٧٩.
(٢) سيأتي الحديث عنه بإذن الله في باب التصوف.
(٣) راجع مبحث الأسماء والصفات: ٢٠٧.

<<  <   >  >>