للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله - في وجوب إعمال الأصل السابق، وذلك في حديثه عن حقيقة الرأي الصائب: "أن يكون - أي الرأي المحمود - بعد طلب علم الواقعة من القرآن، فإن لم يجدها في القرآن، ففي السنة، فإن لم يجدها في السنة، فبما قضى به الخلفاء الراشدون، أو اثنان منهم، أو واحد، فإن لم يجده، فبما قاله واحد من الصحابة - رضي الله عنهم - فإن لم يجده، اجتهد رأيه ونظر إلى أقرب ذلك من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأقضية أصحابه، فهذا هو الرأي الذي سوغه الصحابة، واستعملوه، وأقر بعضهم بعضًا عليه" (١).

إذًا فالرأي المذموم الذي أتى فيه الوعيد؛ هو "رأي مجرد لا دليل عليه، بل هو خرص وتخمين".

أما الرأي المحمود، والذي لا مندوحة عنه للمفسر العالم في كثير من الأحيان؛ فهو الذي يستند "إلى استدلال، واستنباط من النص وحده، أو من نص آخر معه" (٢).

ومن هنا نعلم حقيقة ما أثر عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - في التوقف عن التقول في كتاب الله برأيه، فإنه - رضي الله عنه - سئل عن معنى: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا}، فقال: (أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله برأي) (٣).

فالدافع إلى توقفه - رضي الله عنه - هو عدم علمه بما يستند إليه في تفسيره لهذه الكلمة.

- وإذا تبين هذا، وعلم أن الرأي لا يكون صائبًا إلا إذا استند إلى حقائق شرعية لغوية، وأنه قد أثر توقف كبار الصحابة عن تفسير القرآن بالرأي المحض؛ علم ضلال القائل باختصاص أهل الولاية في فهم المعاني الإشارية دون غيرهم من أهل العلم بالشريعة التي يطلق عليه الصوفية "علم الظاهر".

وعلم أيضًا ضلال من قدم أهل الولاية كما يسمون عند المتصوفة على أهل العلم بالحقائق الشرعية المكتسبة من الطرق اليقينية.


(١) إعلام الموقعين: (١/ ٨٥).
(٢) المرجع السابق: (١/ ٨٣).
(٣) الجامع لشعب الإيمان: فصل في ترك التفسير بالظن، رقم الحديث: ٢٠٨٢: (٥/ ٢٢٨). وانظر إعلام الموقعين: (١/ ٥٤).

<<  <   >  >>