للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- وعليه فإن تقسيمه السابق للعلوم من حيث طرق تحصيلها إلى مكتسب ولدني، وأن معرفة الإشارات لا تتأتى لأحد من أهل العلم المكتسب، لا حقيقة له، بل هو محض وهم.

ومبنى هذا التصور أن الإلهام مصدر من مصادر التلقي التي يستند إليها في فهم الكتاب العظيم، وقد تقدم بطلان هذا وبيان أن الإلهامات لا يستند إليها فيما يتعلق بفهم نصوص الشرع، إذ ليس لأهل الولاية عصمة من وساوس الشيطان وتضليله، وإنما ترجع في حجيتها إلى موافقتها لمصدر التلقي اليقيني: الكتاب والسنة، فما وافقهما قبل، وإلا فلا اعتداد به البتة في أي استنباط لا استناد له إلى قواعد التفسير المسبقة.

ومن العجب أن يخالف الصاوي نفسه في هذا الباب ويدخل في ضرب من التناقض المخل، حيث يفرق عند حديثه عن الوحي بين إلهام الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وغيرهم من الأولياء: بأنه لا عصمة لهؤلاء بخلاف أولئك الذين عصمهم الله من وساوس الشيطان وغيرها.

وليس في هذا ما يناقض اعتقاد أن للتوفيق والهداية والولاية دور كبير في فهم القرآن الكريم والوقوف على معانيه وإدراك مغازيه، في ضوء التزام القواعد المسبقة، فـ "إن هذا الكتاب هدى للمؤمنين وشفاء، فقلوب المؤمنين هي التي تدرك طبيعته وحقيقته، فتهتدي به وتشتفي.

فأما الذين لا يؤمنون فقلوبهم مطموسة، لا تخالطها بشاشة هذا الكتاب، فهو وقر في آذانهم، وعمى في قلوبهم، وهم لا يتبينون شيئًا لأنهم بعيدون جدًا عن طبيعة هذا الكتاب وهواتفه {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت: ٤٤].

ويجد الإنسان مصداق هذا القول في كل زمان وفي كل بيئة.

فناس يثقل هذا القرآن على آذانهم وعلى قلوبهم، ولا يزيدها إلا صممًا وعمى، وما تغير القرآن، ولكن تغيرت القلوب وصدق الله العظيم" (١)


(١) في ظلال القرآن: (٥/ ٣١٢٨).

<<  <   >  >>