ميادين التبليغ، وعلى رأسها الجهاد في سبيل الله تعالى، قال تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}[البقرة: ٢٤٦]. وغيره من ميادين التبليغ، كالحكم وإعمال شريعة الله تعالى بين الناس، يقول في كتابه الكريم:{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ}[المائدة: ٤٤].
وكذلك قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: (عرضت على الأمم، فجعل يمر النبي معه الرجل، والنبى معه الرجلان، والنبى معه الرهط، والنبى ليس معه أحد)(١) ففى هذا الحديث دلالة صريحة على أنه كان من الأنبياء تبليغ لأقوامهم، أشار إليه الإتباع الوارد في الحديث.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالتبليغ الذي حقيقته الدعوة إلى الله تعالى أمر قد أنيطت به الخيرية الموجبة لفلاح المؤمنين، وتقديمهم على سائر الأمم، قال تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}[آل عمران: ١١٠].
حتى أن تخلى بني إسرائيل عن هذه المسؤولية العظيمة؛ أدى إلى نزع التفضيل عنهم، ورفع الاصطفاء منهم، قال تعالى في بيان سبب استحقاقهم للعن والإبعاد عن رحمة الله: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (٧٨) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: ٧٨، ٧٩].
وكان ما ذهب إليه في بيان الفرق بينهما مدعاة له - كما ذكرت من أقواله - إلى
(١) أخرجه البخاري في: كتاب الطب - باب من لم يرق، رقم الحديث: ٥٧٥٢.