للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاعتذار عن ما فعله الأسباط والخضر - عليه السلام - من مخالفة ظاهرة لما هو مأمور أو معهود في الظاهر من الشرع؛ بكونهم أنبياء لم يؤمروا بالتبليغ، فجاز لهم العمل بمقتضى الحقيقة، والحقيقة أن تخريج فعلهم على نحو ما ذهب إليه، من التفريق بين الرسول والنبى في شأن التبليغ المقتضى للإتباع بعيد ولا يصح؛ إذ ليس عليه دليل من كتاب ولا سنة، بل الأدلة السابقة كلها تحكم بضعفه وعدم حجيته، والجواب على ما ذكر من مخالفهم الظاهر يصح من وجوه أخرى؛ تستند إلى نصوص الكتاب والسنة بعيدًا عن مثل هذه الآراء التقريرية التي مال إليها، فالصواب أن الخضر نبى كما عليه غالب أهل العلم (١)، وليس في الآيات التي في سورة الكهف ما يدل على مخالفته الشرع في حقيقة الأمر، فكل ما هنالك أن الله تعالى أطلعه على أمور لم يظهرها لموسى - عليه السلام - ولو ظهرت له لعمل عمله فيها، فالقاعدة الفقهية تقول: إذا تعارض مفسدتان روعى أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما (٢)، وهذا ما كان من الخضر - عليه السلام - فخرقه للسفينة كان لدفع مفسدة أعظم مما قام بفعله، ولا شك أن هذا سائغ شرعًا كما تقدم، وتسند هذه القاعدة إلى الأصل القائم على دفع المضار [لا ضرر ولا ضرار]، ودليلها من الكتاب قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: ٢١٧].

أما إصلاحه الجدار من أجل اليتيمين فمشروعيته من البيان بمحل؛ إذ الوصية بالأيتام ورعاية مصالحهم مما قد اتفقت الشرائع على الأمر بالتحلى به، ويزداد الأمر خصوصية في حال الصالحين وذوى الفضل، وكان ما علمه الخضر من شأنهم وحى أوحاه الله إليه، وأخفاه على موسى - عليه السلام - ولو علمه لما توانى عن فعله.


(١) انظر: فتح الباري: (٦/ ٤٣٤).
(٢) انظر: الأشباه والنظائر، لابن نجيم: ٨٩. وانظر شرح صحيح مسلم للنووى في حديث الأعرابى الذي بال في المسجد: (٣/ ١٩١). وانظر كتاب: القواعد الفقهية الكبرى لـ د/ صالح بن غانم السدلان.

<<  <   >  >>