للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما قصة قتل الغلام، فالراجح فيها أن الخضر إنما حصل منه القتل بعد تحقق موجبه من كفر الغلام، دل على ذلك قراءة ابن عباس - رضى الله عنهما -: "قال سعيد بن جبير: فكان ابن عباس يقرأ: وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غضبًا. وكان يقرأ: [وأما الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين] " (١).

ففى هذه القراءة دلالة صريحة على تحقق الكفر منه؛ حتى استحق إطلاق مسماه عليه فعلًا وقت قتل الخضر له، وبهذا جزم قتادة - رحمه الله - فقد روى عنه أنه قال: "لعمرى ما قتله إلا على كفر" (٢)

والكفر الواقع من الغلام لم يكن موسى - عليه السلام - على علم به، فجهله به هو الذي حمله على استنكار ما فعله الخضر، وعليه فإن ما علمه الخضر بوحى من الله كما نص عليه حديث البخاري كان من الغيب المقيد النسبى، دليله ما أخبر به المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: [يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علم من الله علمكه الله لا أعلمه] (٣).

بقى اعتراض من اعترض على عدم مشروعية قتله بالظاهر من الشريعة لكونه ما زال في سن الأحداث؛ حتى وصف بأنه غلام، ويجيب شيخ الإسلام على هذا بكون: "الغلام الذي قتله الخضر إما أن يكون كافرًا بالغًا كفر بعد البلوغ؛ فيجوز قتله، وإما أن يكون كافرًا قبل البلوغ؛ وجاز قتله في تلك الشريعة، وقتل لئلا يفتن أبويه عن دينهما، كما يقتل الصبى الكافر في ديننا؛ إذا لم يندفع ضرره عن المسلمين إلا بالقتل. . . وقد يقال: بل في السنة ما يدل عليه، ومنه قول ابن عباس لنجدة الحرورى لما سأله عن قتل الغلمان: [إن علمت منهم ما علمه الخضر من ذلك الغلام فاقتله وإلا فلا]. (٤)، (٥)


(١) أخرجه البخاري: كتاب التفسير - باب {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ}، رقم الحديث: ٤٧٢٥.
(٢) التمهيد، لابن عبد البر: (١٨/ ١٠٨).
(٣) الحديث السابق.
(٤) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الجهاد والسير: باب النساء الغازيات والنهى عن قتل صبيان أهل الحرب: (١٢/ ١٩٤).
(٥) درء التعارض: (٨/ ٤٢٨).

<<  <   >  >>