للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- أما القيد الثاني في التعريف وهو ما عبر عنه بالذكورة؛ فهذا ما دل عليه قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} [يوسف: ١٠٩]

واختصاص النبوة بجنس الرجال هو مقتضى القيومية التي خصهم الله تعالى بها دون النساء، ولا يخفى أن الرجل أقدر على أداء هذه المهمة العظيمة، وأجدر بالقيام بواجباتها وحقوقها من الجهاد والرئاسة والحكم، وغير ذلك كما لا يخفى. (١)

وكانت هذه المسألة مما تعددت فيها الأقوال، فالذين ذهبوا إلى نبوة النساء قالوا: لا حجة في الآية على منع النبوة، وإنما هي خاصة بالرسالة فقط.

هذا ويستند القائلون بنبوة النساء، كما يقرر ذلك الإمام ابن حزم - رحمه الله - إلى ما ورد في حق مريم - عليها السلام - من إرسال الملك، وإعلامها بما سيكون من ولدها، وأمرها بالصلاة والإكثار من القربات، وكذلك ما ورد في حق أم موسى حتى بادرت بإلقاء ولدها في اليم لما أوحى لها بذلك، يقول: "فأما أم موسى وأم عيسى وأم إسحاق فالقرآن قد جاء بمخاطبة الملائكة لبعضهن بالوحى، وإلى بعض منهن عن الله عز وجل بالإنباء بما يكون قبل أن يكون، وهذه النبوة نفسها التي لا نبوة غيرها؛ فصحت نبوتهن بنص القرآن" (٢)

وكان هذا قول البعض من أهل العلم عد منهم الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: الأشعري والقرطبى (٣) إلى جانب ابن حزم - رحمهم الله -، وقد ذكر أدلة أخرى استدل بها القائلون بجواز نبوة النساء منها ما أخبر به المصطفى - صلى الله عليه وسلم - من حصول الكمال للبعض منهن، وما ورد في القرآن الكريم من اصطفاء مريم - عليها السلام - على نساء العالمين (٤)


(١) انظر: لوامع الأنوار للسفارينى: (٢/ ٢٦٦).
(٢) الفصل في الملل: (٤/ ١١).
(٣) هو محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجى الأندلسى، من كبار المفسرين، صالح متعبد من أهل قرطبة، من كتبه الجامع في أحكام القرآن، والأسنى في أسماء الله الحسنى، والتذكرة بأحوال الموتى وأحوال الآخرة، توفى سنة: ٦٧١ هـ انظر: شذرات الذهب: (٥/ ٣٣٥)، والأعلام: (٥/ ٣٢٢).
(٤) انظر فتح الباري: (٦/ ٤٤٧ - ٤٤٨ - ٤٧٠ - ٤٧١).

<<  <   >  >>