للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبهذا المعنى فسر الإيحاء في حق أم موسى - عليه السلام -، والذي ورد ذكره في قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} [القصص: ٧]، ذكر تفسيره به الإمام ابن جرير عن قتادة، حيث قال: "وحيًا جاءها من الله فقذف في قلبها، وليس بوحى نبوة" (١)

لذا فإن شيخ الإسلام قد ضعف القول بنبوة أم عيسى وموسى؛ مستندًا إلى أن الوحى لا يكفى في الدلالة على النبوة، يقول: "وليس كل من أوحى إليه الوحى العام يكون نبيًا؛ فإنه قد يوحى إلى غبر الناس، قال تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ}، وقال: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص: ٧] " (٢).

وكل ما استدل به القائلون بنبوة النساء ليس فيه مستند قوى يعتمد عليه في إثبات ذلك، فتكليف أم موسى بإلقاء ولدها - عليه السلام - في اليم ليس بكافٍ في إثبات نبوتها؛ لأن حقيقة النبوة إرسال من الله يقتضى التكليف بالإبلاغ، كما سبق بيانه، فمن تمعن في حقيقة الإرسال الذي يعم الأنبياء والرسل وجده محصورًا في الرجال فقط؛ لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} [يوسف: ١٠٩] وهذا كما هو معلوم على القول الراجح في أن الإرسال المقتضى للتبليغ يعم الأنبياء والرسل أجمعين.

أما وصف بعض النساء بالكمال والاصطفاء فليس فيه ما يثبت لهن النبوة؛ لأن الله تعالى أثبت الاصطفاء لبعض خلقه دون أن يكون في ذلك دلالة على إثبات النبوة، كما في قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} [فاطر: ٣٢].

أما عن الكمال المثبت لمن ورد ذكرهن في حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: (كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران، وخديجة بنت


(١) تفسير الطبري: (٢٠/ ٢٩).
(٢) النبوات: ٢٧٢.

<<  <   >  >>