للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- صلى الله عليه وسلم - في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنًا وظاهرًا؛ ولهذا قال: {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} أي إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجًا مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن، فيسلمون لذلك تسليمًا كليًا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة" (١)

ومنها قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: ٣٦]

فقد دلت الآية على أن الأمر بطاعة الله تعالى وطاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - يقتضى وجوب الالتزام؛ وذلك لأمرين:

الأول: نفى التخيير المعارض لمقتضى الأمر.

الثاني: ترتب الضلال المبين على معارضة الامتثال بالمعصية.

يقول الإمام القرطبي في معنى ذلك: "توعد تعالى وأخبر أن من يعص الله ورسوله فقد ضل، وهذا أدل دليل على ما ذهب إليه الجمهور من فقهائنا، وفقهاء أصحاب الإمام الشافعي وبعض الأصوليين، من أن صيغة أفعل للوجوب في أصل وضعها؛ لأن الله تبارك وتعالى نفى خيرة المكلف عند سماع أمره وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ثم أطلق على من بقيت له خيرة عند صدور الأمر اسم المعصية، ثم علق على المعصية بذلك الضلال، فلزم حمل الأمر على الوجوب". (٢)

وعليه فإن هذا الأصل العظيم يحتمد على أربعة أركان، لا يتم له القيام إلا بحصولها منه وهي: "طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع" (٣)، وتمثل هذه الأركان البراهين التي بها يتم اعتماد صدق الإيمان به - عليه الصلاة والسلام -.


(١) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير: (١/ ٦٨٠).
(٢) الجامع لأحكام القرآن: (١٤/ ١٨٧).
(٣) شرح ثلاثة أصول للإمام محمد بن عد الوهاب لفضيلة الثيخ محمد العثيمين - رحمه الله -: ٧١.

<<  <   >  >>