للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرسول - عليه الصلاة والسلام - والإيمان به هو التغنى بصفاته وأخلاقه - عليه الصلاة والسلام -، والإشادة بفضائله عن طريق اجتماعات معروفة تعقد في يوم ولادته، وليتها تتوقف على ذلك بل ويصاحبها الكثير من مظاهر الغلو المنهى عنها شرعًا، والتى قد تتعدى في كثير من الأحيان لتعبر عن شرك صريح ومبالغة ممقوتة، قد عظم تحذير النبي - صلى الله عليه وسلم - منها.

وقد أصبحت محبته بهذه الصورة هي الحقيقة المزعومة التي يبرهن بها ضعاف العزيمة على الإيمان به وإجلاله وتعظيمه، وبالتالى فكل من يظهر خلاف ذلك يرمى بأقبح التهم كباغض الرسول وشاتمه، إلى غير ذلك من ألوان التعدى ظلمًا وعدوانًا بلا أدنى دليل وبرهان.

وهذا التيار المخالف لهدى السلف في الواجب نحو الرسول - عليه الصلاة والسلام - وما ينبغى لتحقيق الإيمان به، كان منشؤه منذ المبدأ الأوساط الصوفية التي حادت بما ظهر فيها من بدع، وتوجه منحرف في مصادر التلقى عن التصور السليم لحقيقة الإيمان بالنبى - صلى الله عليه وسلم -، فظنوا أن محبته لا تتأتى إلا عن طريق هذه المبتدعات في القول والاعتقاد والسلوك، وظهر هذا في الكثير من أقوالهم وأشعارهم، وما زالت هذه الأفكار في رواج مع ما يصب فيها من روافد فاسدة لأديان سابقة، حتى تبلورت أخيرًا بما يعرف بالحقيقة المحمدية (١) والتى صارت علمًا يدل على مدى الانحراف الخطير الذي داخل تيار التصوف في الفكر الإسلامى، ولكل ما تقدم نجد أن هذا الاتجاه الغالى قد أخذ طريقًا وعرًا في آراء الصاوي، فمع علمه بالكتاب والسنة وتأصيله للفكر الأشعري، إلا أن ذلك لم يكن مانعًا له من الخوض في مثل هذه الأمور المخالفة لصريح ما أنزل الله على رسوله والتحدث على لسان القوم بمثل حديثهم، وفى هذا المبحث سأتناول الخطوط العريضة لعقيدته في نبوة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، ومناقشة ما يستوجب منها ذلك.


(١) قد سبق لي الحديث عنها بصورة موجزة في بحث التوحيد، فليراجع: ١٦٥.

<<  <   >  >>