للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد سبق لي في مبحث متقدم أن أشرت إلى الكثير مما وقع به الصاوي في مسألة الغلو مع تقديم الأدلة والبراهين على انحرات مسلكه في تقرير ذلك عن المنهج الصحيح القويم. ولى مع هذا أن أضيف بعض التعليقات الهادفة هنا وذلك من خلال إبراز مواطن الغلو في تقرير نبوة المصطفى - عليه الصلاة والسلام -، والعمل على مناقشتها مناقشة علمية هادفة؛ حتى تتم الفائدة من عقد هذا المبحث، وهى بيان حقيقة الإيمان بنبوة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وما يقتضيه ذلك الإيمان وفق ما شرع الله على لسان رسوله، ورد الشبهات القادحة في هذه الحقيقة الإيمانية إفراطًا وتفريطًا.

أولًا: علم الغيب له - عليه الصلاة والسلام - ونسبة ذلك إليه دون استثناء حتى للأمور الخمسة التي اختص الله تعالى بعلمها دون خلقه، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: ٣٤].

وقد ذكر هذا القول السيوطي بصيغة التمريض (١) وأتى تعليق العلامة الهراس عليه شديدًا فقال: "ولا دليل لهذا البعض - أي الذين ذهبوا إلى القول بعلم النبي لها - وهو مكذوب بصريح القرآن، نعوذ بالله من الغلو الذي يخرج من الإيمان". (٢)

ثانيًا: وكان من جملة ما خرج به الصاوي عن المسلك الصحيح في تعظيم النبي - عليه الصلاة والسلام - تجويز القسم به والتوسل بمنزلته بعد وفاته واستخدام بعض الألفاظ الموهمة مما لا أصل لها في الشرع لتوجيه مثل هذه الآراء البعيدة، كقوله باتحاد الحضرة في عدة مواضع من كتبه.

والصواب هنا أن استخدام مثل هذه الألفاظ يعد من ذرائع الشرك بالله تعالى لأنها:


(١) انظر: كلامه في ذلك في كتاب الخصائص الكبرى: (٢/ ٣٣٥)، وأنموذج اللبيب في خصائص الحبيب: ٢٣.
(٢) الخصائص الكبرى للسيوطي: تعليق الشيخ الهراس نقلًا عن مقدمة الألباني في تحقيقه لكتاب بداية السول.

<<  <   >  >>