للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما أنها مما يتأتى بطرق الاكتساب الشرعية فليست في معنى المعجزة من حيث إنها محض فضل من الله يؤيد به من أرسلهم هداية للعالمين.

ومن كل ما سبق يتبين أن خرق العادة حقيقة لا تكون إلا للمعجزة، أما غيرها وإن شوهد مخالفته للمعهود إلا أن هذه المخالفة لا تخرج عن كونها نسبية إضافية لا تستحق إطلاق لفظ الخارق عليها، والذي يوحى بمجانسته لجنس المعجزات من هذا الوجه وهذا المعنى هو مصداق قوله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: ٨٨].

وكان ما ذكره الصاوي من قيود أخرى في التعريف تفرق بين المعجز وغيره صحيحة لا جدال فيها. وقد أشار شيخ الإسلام - رحمه الله - في معرض بيان ما يفرق به بين السحر والمعجزة إلى كثير من الفروق الأخرى المهمة والتى تمثل في الحقيقة أسس الاختلاف بينهما، فكان الاستدلال بحال الرسل - عليهم الصلاة والسلام - وما يدعون إليه أكبر ما يفرق به بين ما يدعيه أولئك الدجاجلة وبين ما يؤيد الله تعالى به رسله من المعجزات، وكان ما ذكرته في حقيقة المعجزة من عدم إمكان اكتسابها ومن كونها خارجة عن مقدور جميع الجن والإنس هو الفارق الجوهري الذي يخرج المعجزة عما يمكن أن يلتبس بها على بعض ضعاف العقول. (١)

وما ذكره عن كثرة معجزات الرسول - عليه الصلاة والسلام - فصحيح ومع هذا فلم يرد دليل يعتمد عليه في حدها بعدد معين (٢) وكان ما أشار إليه من أعظم معجزاته: كحادثة انشقاق القمر، ففى صحيح مسلم عن ابن عمر - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} قال: (قد كان ذلك على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، انشق القمر فلقتين, فلقة من دون الجبل وفلقة من خلف الجبل، فقال رسول الله: (اللهم اشهد) " (٣)


(١) انظر: النبوات: ٤٣٩.
(٢) انظر: في هذا الباب كتاب: دلائل النبوة للإمام إسماعيل بن محمد التيمي الأصبهاني، تحقيق: مساعد الراشد الحمديد.
(٣) أخرجه مسلم في كتاب صفة القيامة والجنة والنار - باب انشقاق القمر: (١٧/ ١٤٤).

<<  <   >  >>