للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحديث في أوجه إعجار القرآن الكريم حديث متصل العظمة، مستجمع أقطاب الكمال، إذ تقصى مكامن علوه وهيمنته ليعد في حقيقة الأمر ضربًا من المحال، ويكفى في الإشارة إلى ذلك بيان حقيقة القرآن من حيث إنه كلام الله تعالى خرج منه وإليه يعود، ففضل كلامه تعالى على كلام خلقه كفضله هو سبحانه على سائر خلقه، ومن هنا أتى معجز الألفاظ، تقاصرت عن محاكاته همم البلغاء من أهل الفصاحة والبيان، فالتحدى به باقٍ إلى قيام الساعة.

حقيقة المعجزة:

أما ما ذهب إليه الصاوي في بيان حقيقة المعجزة بأنها الخارق للعادة وجعل هذا القيد في التعريف قدر مشترك بينها وبين غيرها، كالسحر والكرامة فلا يحصل - عنده - به التمييز إلا بإضافة قيود أخرى تمنع من دخول غير أفراد المعرف فيه، فهذا غير صحيح؛ لأنه يقضى باتحاد الماهية وأعنى بها الجنس الذي يشمل المعرف وغيره لاتفاقه معه من جهة الذاتيات المشتركة، ولو مع إثبات تغايرهما من جهة الذاتيات المميزة، كما ذكر الصاوي في القيود الأخرى للتعريف.

وذلك لأنه لا يمكن بحال الجمع بين هذه الحقائق المختلفة تحت جنس واحد؛ لوجود المغايرة التامة في جميع أجزاء الماهية.

يقرب هذا أن حقيقة الخرق للعادة في كل ما ذكر مما سوى المعجز عند التحقق لا يعد خارقًا في الأصل من كل الجهات، فالسحر والكهانة وهما أشد ما يكون غرابة ومخالفة للمعهود عند عامة الناس "أمور معتادة معروفة لأصحابها ليست خارقة لعاداتهم، وآيات الأنبياء لا تكون إلا لهم ولمن تبعهم" كما أن "الكهانة والسحر يناله الإنسان بتعلمه وسعيه واكتسابه، وهذا مجرب عند الناس، بخلاف النبوة؛ فإنه لا ينالها أحد باكتسابه" (١)

"أما كرامات الصالحين فهى من آيات الأنبياء، ولكن ليست من آياتهم الكبرى ولا يتوقف إثبات النبوة عليها، وليست خارقة لعادة الصالحين، بل هي معتادة في الصالحين من أهل الملل في أهل الكتاب والمسلمين" (٢)


(١) النبوات، لشيخ الإسلام: ٢١٥.
(٢) المرجع السابق: ٤٤٣.

<<  <   >  >>