للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من عدة جهات، أولها النظم فقد تحدى المولى به على أقصر سورة منه، قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: ٨٨].

كما أن القرآن العظيم يحوى من الأخبار والعلوم الشاهدة والغائبة ما يحيل إمكان نسبته لبشر مهما بلغ من العلم والعقل، وقد شهد بهذا أعتى من استنكف عن الاستسلام لمقتضى الإقرار بإعجازه ودلالته على صدق من أتى على يده، ويحكى لنا القرآن في ذلك موقف الوليد وكيف أنه تبين له الحق ولكن كفره وبغيه حال دون الإيمان برسالة المصطفى - عليه السلام -.

ومن هذا المنطلق في الفهم لحقيقة الاستدلال بالقرآن العظيم على نبوة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يتبين لنا أن الإعجاز الحاصل بطريقه حاله ليس كحال باقي المعجزات الحاصلة على أيدى الرسل - عليهم الصلاة والسلام -، إذ أن اتحاد عدد من الأدلة في دليل واحد يقضى بقوته واستعلائه على غيره.

هذا من جهة ومن جهة أخرى، فإن استقلال المدعو له بالدلالة على صدقه ليقضى باستحقاقه الكافى في الاستغناء عما سواه؛ مما يشهد بصدقه كدليل خارج عنه، فدلالته عندئذ تكون مرتبطة به بحيث لا يمكن بحال الفصل بين حقيقة الدليل والمستدل له، مما يحمل على الجزم بتصديقه دون أدنى ارتياب في أمره، فـ "القرآن هو بنفسه الوحى المدعى، وهو الخارق المعجز، فشاهده في عينه، ولا يفتقر إلى دليل مغاير له كسائر المعجزات مع الوحى، فهو أوضح دلالة لاتحاد الدليل والمدلول فيه". (١)

وهذا ما وصفه به الرب تعالى إذ قال في محكم التنزيل: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}.


(١) مقدمة ابن خلدون: ٩٥، ولمزيد من التوسع يوصى بالرجوع إلى: مبحث الأدلة العقلية للنبوة، من رسالة: المعرفة في الإسلام، لفضيلة الشيخ د/ عبد الله القرني: ١٢٠.

<<  <   >  >>