للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رابعًا: وإذا كان الصاوي في مجال تقرير أصول العقائد، كما هو شأنه في جوهرة التوحيد والخريدة البهية يعتمد في الغالب كلام أهل الفن، فإنه لا يلتزم ذلك على جهة التأصيل في تفسيره للقرآن الكريم، إذ نجده يقرر أدلة أخرى على وجوب الإيمان باليوم الآخر، سالكًا لها مسلك الاستدلال الشرعي العقلى، الذي أرشد إليه المولى تعالى في رد شبه المنكرين للبعث.

وذلك في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج: ٥].

يقول: "مناسبة هذه الآية لما قبلها؛ أنه لما ذكر من يجادل في قدرة الله بغير علم، وكان جدالهم في البعث، ذكر دليلين على ذلك: الأول في نفس الإنسان وابتداء خلقه.

الثاني: في الأرض وما يخرج منها، فإذا تأمل الإنسان فيهما ثبت عنده البعث وأنه واقع لا محالة". (١)

كما انتهج نفس المسلك السابق في تفسير قوله تعالى: " {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} [الأنعام: ٢].

يقول: "هذا بحسب العادة الجارية بأن القادر على الابتداء قادر على الإعادة بالأولى؛ وإلا فالكل في قبضة قدرته سواء، لا مزية للإعادة على الابتداء؛ لأنه إذا أراد شيئًا قال له كن فيكون" (٢)

وأيضًا في تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} [الصافات: ١١].


(١) حاشية الجلالين: (٣/ ٨٨).
(٢) المرجع السابق: (٢/ ٣).

<<  <   >  >>