ومن هنا تتجلى واحدة من أهم أسباب الجمع بين ذكر الإيمان بالله تعالى والإيمان باليوم الآخر في كثير من آيات الكتاب العزيز؛ فإن حقيقة التكذيب باليوم الآخر تكذيب بربوبية الله تعالى، وقدح في كمال قدرته، وتمام عدله في تصرفه، وقد جاء هذا المعنى في الحديث القدسى:(كذبنى ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمنى ولم يكن له ذلك، أما تكذيبه إياى فقوله: لن يعيدنى كما بدأنى، وليس أول الخلق بأهون على من إعادته. وأما شتمه إياى فقوله: اتخذ الله ولدًا، وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفوًا أحد). (١)
وكانت هذه الحقيقة وهى فطرية الإيمان بربوبية الله تعالى، وتسليمهم لها في قرارة أنفسهم؛ مستند الاحتجاج عليهم في إنكارهم مبدأ البعث، ومن ذلك قوله تعالى: {فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الواقعة: ٨٦، ٨٧].
يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله - موضحًا المراد من هذا التحدى وانهزامهم السافر في المقابل، كل ذلك من أجل إقامة الحجة عليهم بوجود البعث والجزاء: "أي هلا تردون الروح إلى مكانها إن كنتم غير مدبورين ولا مقهورين ولا مجزيين، وهذه الآية تحتاج إلى تفسير؛ فإنها سيقت للاحتجاج عليهم في إنكارهم البعث والحساب، ووجه الاستدلال أنهم إذا أنكروا البعث والجزاء؛ فقد كفروا بربهم وأنكروا قدرته وربوبيته وحكمته، فإما أن يقروا بأن لهم ربًا قاهرًا متصرفًا فيهم، يميتهم إذا شاء، ويحييهم إذا شاء، ويأمرهم وينهاهم، ويثيب محسنهم، ويعاقب مسيئهم، وإما ألَّا يقروا برب هذا شأنه، فإن أقروا آمنوا بالبعث والنشور، والدين الأمرى والجزائى، وإن أنكروه وكفروا فقد زعموا أنهم غير مربوبين، ولا محكوم عليه، ولا لهم رب يتصرف فيهم كما أراد، . . . . .، وهذه غاية التعجيز لهم؛ إذا تبين عجزهم عن رد نفس واحدة إلى مكانها ولو اجتمع على ذلك الثقلان، فيالها من آية دالة على وحدانيته وربوبيته سبحانه، وتصرفه في عباده، ونفوذ أحكامه
(١) أخرجه البخاري في: كتاب التفسير - باب قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، رقم الحديث: ٤٩٧٤.