للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مسألة الشفاعة:

كانت هذه القضية من أعظم ما تطرق إليه الصاوي في حديثه عن حقائق يوم القيامة، وقد فصلت القول في أنواع شفاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الثابتة في الصحاح، ومع ذلك فكلامه في هذه المسألة ينقصه بيان أنواع الشفاعة من حيث الاعتقاد، فالتسليم بأن شفاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - مقبولة قطعًا؛ لا يعني أن يعتقد إمكانها على كل حال، وفي حق كل أحد، كما يظن البعض، فقد يتوهم بعض الغلاة أنه إذا طلب الشفاعة من الرسول أو من بعض الصالحين فإن ما يرجوه من النجاة والفوز متحقق على جهة التأكيد، وألحق الذي لا مراء فيه أن الشفاعة المثبتة التي أتت الآيات والأحاديث بإثباتها لا تكون إلا بتحقق شرطين وهما: الإذن من المولى تعالى، ورضاه سبحانه عن المشفوع له، فإذا وجدت هذه الشروط حلت الشفاعة وأذن للشافع، قال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: ٢٦].

وإذنه تعالى مرتبط بتحقق رضاه، بمعنى أنه ثمرة له، ورضاه تعالى عن المشفوع له إنما يتحصل إذا كان من أهل الإخلاص والتوحيد، لحديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: (أسعد الناس بشفاعتى يوم القيامة، من قال لا إله إلا الله، خالصًا من قلبه) (١).

إذًا فاعتقاد قبول شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينافى ما تقدم؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - لا يشفع إلا عند تحقق هذين الشرطين.

وهذه الشفاعة المثبتة التي دلت عليها نصوص الكتاب والسنة؛ تعنى أن الأمر كله لله وحده، فهى إذًا مستمدة من حقيقة التوحيد، الذي دعا الرسل إلى التمسك به، ومن المعلوم أن المشركين حين اعتقدوا استقلال آلهتهم في القيام بالشفاعة؛ صرفوا أنواع التقرب إليها من دون الله، فوقعوا في الشرك المخرج من التوحيد، وهذا ما نفسر به نفى الشفاعة في بعض الآيات، كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ


(١) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب العلم - باب الحرص على الحديث، رقم الحديث: ٩٩.

<<  <   >  >>