للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ترجيح ما ذهبوا إليه، ولم يكن هذا هو قوله الوحيد، بل له قول آخر انتصر له في عدد من مؤلفاته وهو القول بالتوقف، حيث استند في ذلك إلى الاستثناء الوارد في الآية، إذ إرجاع الأمر إلى مشيئة الله وحده يقضى بعدم التقديم بين يديه بغير دليل، ولكن الصحيح في المسألة أن الأدلة على بقاء النار من المحكم البين، الذي لا يرد عليه أدنى اعتراض، وليس في الجزم به ما يعارض أدب التلقى بالقبول عن الله ورسوله، بل القول به هو حقيقة ثمرة الرد إليهما (١).

- أما عن تكفير من خالف في اعتقاد فناء النار فلا يجوز؛ لأن من قال به مجتهدًا وسعه في الفهم واستنباط الحكم فلا وزر عليه، قال - عليه الصلاة والسلام -: (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر) (٢).

"فالخلاف المذموم حقًا إنما هو من أولئك المقلدين، الذين يصرون على التدين بالتقليد، والإعراض عن الاهتداء بهدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مباشرة، والإخلاص له في اتباعه وحده دون سواه الذي هو من لوازم الشهادة بأنه رسول الله، وقد أمرنا بطاعته استقلالًا، لا يشاركه في ذلك أحد من البشر في غير آية من آيات الله تبارك وتعالى، فأى خلاف شر من هذا الذي عليه المقلد هذا الذي يظل: {يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الجاثية: ٨] (٣).

أما عن قوله بأن الأخذ بظاهر القرآن كفر، فقد سبقت الإشارة إلى إبطاله وعده من كلام أهل البدع المحرم في دين الله، والذي لم يثبت القول به عن أحد من السلف الكرام (٤).


(١) لمزيد من التوسع يوصى بالرجوع إلى الرسالة المذكورة أعلاه بتحقيق فضيلة الشيخ: محمد ناصر الدين الألباني عليه رحمة الله.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه: كاب الاعتصام بالكتاب والسنة - باب أجر الحاكم إذا اجتهد - رقم الحديث: ٧٣٥٢.
(٣) مقدمة الشيخ الألباني لكتاب: رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار، للصنعانى.
(٤) راجع مبحث منهجه في الاستدلال: ٨٨.

<<  <   >  >>