للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السلف على ذلك الاشتباه وقد أوردها الإمام ابن أبي العز (١) في بيان إجماع أهل العلم على أبدية الجنة، فقال: "واختلف السلف في هذا الاستثناء، فقيل:

- معناه إلا مدة مكثهم في النار، وهذا يكون لمن دخل منهم إلى النار ثم أخرج منها.

- وقيل: إلا مدة مقامهم في الموقف.

- وقيل: إلا مدة مقامهم في القبور والموقف.

- وقيل: هو استثناء الرب ولا يفعله، كما تقول: والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك، وأنت لا تراه، بل تجزم بضربه. . إلى آخر ما ذكر من أقوال، ثم قال: "وعلى كل تقدير، فهذا الاستثناء من المتشابه، وقوله: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: ١٠٨]. محكم، وذلك قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} [ص: ٥٤] وقوله: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} [الرعد: ٣٥] وقوله: {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر: ٤٨] (٢).

وكان هذا التوجيه منه - رحمه الله - من أحسن ما قيل في تفسير الاستثناء، حيث كان الإعراض عن الخوض في المتشابه، والرد إلى المحكم؛ مما امتدح الله تعالى عباده به؛ لأنه سيمة التسليم والإذعان، الذي يقتضيه الإيمان بالله تعالى والرضا بدينه.

ومع أن هذا القول هو المجمع عليه عند أهل العلم، إلا أن هناك من خالف ذلك الإجماع فيما يتعلق بخلود النار، مستندًا إلى عدد من الأدلة السمعية والعقلية، وقد أورد الإمام ابن القيم - رحمه الله - (٣) أدلة القائلين بذلك، مع ميله الواضح إلى


(١) هو الشيخ صدر الدين محمد بن علاء الدين على بن محمد بن أبي العز الحنفى الصالحى، اشتغل بالعلوم وكان ماهرًا في دروسه متقنًا تعليمها ولى قضاء دمشق، ثم رحل إلى مصر وولى قضاءها ثم عاد إلى دمشق توفي رحمه الله سنة: ٧٩٢ هـ انظر: شذرات الذهب: (٦/ ٣٢٦).
(٢) شرح العقيدة الطحاوية: ٤٢٦.
(٣) (كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب الروضة الشريفة - صلى الله عليه وسلم -) كما قال الإمام مالك - رضي الله عنه - (كشف الخفاء، للعجلونى: ٢/ ١٧٣)، وكفى بالمرء نبلًا أن تعد معايبه.

<<  <   >  >>