للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأدلة على هذا كثيرة واضحة الدلالة، وقد استدل الإمام القرطبي على خلودهما بحديث ذبح الموت، وذلك أنه ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح، فينادى منادٍ: يا أهل الجنة, فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه. ثم ينادى: يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت، وكلهم قد رآه، فيذبح. ثم يقول: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت. ثم قرأ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [مريم: ٣٩] (١).

وبعد أن ذكره مستدلًا به، قال: "هذه الأحاديث - يعني أحاديث ذبح الموت - مع صحتها نص في خلود أهل النار فيها، لا إلى غاية ولا إلى أمد، مقيمين على الدوام والسرمد من عُير موت ولا حياة ولا راحة ولا نجاة، بل كما قال في كتابه الكريم وأوضح فيه عن عذاب الكافرين: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} [فاطر: ٣٦].

وقال: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء: ٥٦].

وقال: {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (٢٠) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (٢١) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج: ١٩ - ٢٢] (٢).

وقد يستند من شكك في بقائهما إلى الاستثناء الوارد في الآيات من سورة الزمر، وقد أجاب الصاوي على هذا الاشتباه بعدد من الأجوبة التي أجاب بها


(١) أخرجه البخاري: كتاب التفسير - باب: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ}، رقم الحديث: ٤٧٣٠.
(٢) التذكرة: (٢/ ٢١١).

<<  <   >  >>