للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والعرش وغير ذلك، ولم يقل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين، كالجهم بن صفوان ومن وافقه من المعتزلة ونحوهم، وهذا قول باطل يخالف كتاب الله، وسنة رسوله، وإجماع سلف الأمة وأئمتها". (١)

وهذا ما ذكره ابن حزم - رحمه الله - في الفصل، حيث يقول: "اتفقت فرق الأمة كلها على ألَّا فناء للجنة ولا لنعيمها، ولا للنار ولا لعذابها، إلا الجهم بن صفوان" (٢).

وقد ناقش - رحمه الله - أدلة الجهم فيما ذهب إليه، يقول: "وأما جهم بن صفوان فإنه احتج بقول الله تعالى: {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: ٢٨]، وبقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: ٨٨].

وقال: كما لا يجوز أن يوجد شيء لم يزل غير الله تعالى، فكذلك لا يجوز أن يوجد شيء لا يزال غير الله تعالى"

ثم شرع - رحمه الله - في الرد عليه قائلًا: "ما نعلم له حجة غير هذا أصلًا، وكل هذا لا حجة له فيه، أما قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} فإنما عنى تعالى الاستحالة من شيء إلى شيء ومن حال إلى حال، وهذا عام لجميع المخلوقات دون الله تعالى، وكذلك مدد النعيم في الجنة والعذاب في النار، كلما فنيت مدة أحدث الله عز وجل أخرى، وهكذا أبدًا بلا نهاية.

وأما قوله تعالى: {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} فإن اسم الشيء لا يقع إلا على موجود، والإحصاء لا يقع على ما ذكرنا إلا على ما خرج إلى الفعل ووجد بعد، وإذا لم يخرج من الفعل فهو لا شيء بعد، ولا يجوز أن يعد لا شيء، وكل ما خرج إلى الفعل من مدة بقاء الجنة والنار، وأهلهما فمحصى بلا شك، ثم يحدث الله تعالى لهم مددًا آخر، وهكذا أبدًا بلا نهاية ولا آخر" (٣).


(١) مجموع الفتاوى: (١٨/ ٣٠٧).
(٢) الفصل: (٤/ ٨٣).
(٣) المرجع السابق.

<<  <   >  >>