للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شاء منهم إلى الجنة فضلًا منه، ومن شاء منهم إلى النار عدلًا منه، وكل يعمل لما قد فرغ له، وصائر إلى ما خلق له، والخير والشر مقدران على العباد" (١)

ويستند هذا الاعتقاد الصحيح إلى ما ورد من النصوص الشرعية الدالة على ذلك الأصل، فهناك آيات كثيرة وأحاديث صحيحة تدل دلالة صريحة إلى ما تقدم من كون الجنة والنار قد تم لهما الوجود، فهما موجودتان باقيتان بإذن الله، قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: ١٣٣]، وقال: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (١٤) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [النجم: ١٣ - ١٥].

وفى الحديث الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن أحدكم إذا مات، عرض عليه مقعدة بالغداة والعشى، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة). (٢)

وفي الصحيح أيضًا عن أنس - رضي الله عنه -، قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، فلما قضى الصلاة أقبل علينا بوجهه، فقال: أيها الناس! إني إمامكم، فلا تسبقونى بالركوع ولا بالسجود, ولا بالقيام ولا بالانصراف، فإنى أراكم أمامى ومن خلفى، ثم قال: والذي نفس محمد بيده! لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلًا، ولبكيتم كثيرًا. قالوا: وما رأيت يا رسول الله؟ قال: رأيت الجنة والنار) (٣).

والأدلة في ذلك كثيرة، وكلها كما تقدم تفيد يقينًا وجود الجنة والنار.

أما عن خلودهما بحيث لا يتعرضان للفناء بإذن الله، فهذا مما أجمع عليه سلف الأمة، يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: "وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية؛ كالجنة والنار


(١) شرح العقيدة الطحاوية: ٤٢٠.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه: كاب الجنائز - باب الميت يعرض عليه بالغداة والعشى, رقم الحديث: ١٣٧٩.
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الصلاة، باب تحريم سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوهما: (٤/ ١٥١).

<<  <   >  >>