وفى جانب أهل السعادة على عصاة المؤمنين أيضًا لكن باعتبار تعذيبهم أولًا فيتأخرون في الدخول مع السابقين، فتحصل أن الاستثناء في كل محمول على العصاة، لكن في جانب أهل الشقاوة مستثنون من الخلود، وفي جانب أهل السعادة مستثنون من المبدأ، كأنه قال: فأما الذين سعدوا ففى الجنة من أول الأمر إلا ما شاء ربك من العصاة، فليسوا في الجنة من أول الأمر، بل هم في النار يعذبون ثم يخرجون.
- ومنها أن المراد بالذين شقوا الكفار، وبالذين سعدوا المؤمنون، والاستثناء باعتبار أن بعض الكفار قد يثقل من النار إلى غيرها، كالزمهرير.
وبعض المؤمنين قد ينقل من النعيم فيما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين إلى أعلى منه، وهو رؤية وجه الله الكريم ومخاطبته.
- ومنها أن الاستثناء راجع لمدة تأخرهم عن دخول الجنة والنار؛ كمدة الدنيا والبرزخ؛ لأنهم لم يدخلوهما حين خلقوا سعداء وأشقياء" وكان هذا موافقًا لما ذكر في حاشية الخريدة.
"ومنها غير ذلك".
ثم يتبع هذه التأويلات بتقرير خلودهما، وإبطال كل ما يخالف ذلك، يقول: "وما تقدم من أن نعيم الجنان وعذاب النار دائم، هو ما دلت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ووراء ذلك أقوال يجب تأويلها، والأخذ بظاهرها كفر" (١).
* * *
تعليق:
يقوم مذهب السلف الصالح - رضوان الله تعالى عليهم - فيما يختص بدار الجزاء على اعتقاد أن الجنة والنار كليهما مخلوقتان لا يفنيان، باقيتان بإبقاء الله تعالى لهما، قال الطحاوي في العقيدة السلفية: "والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبدًا ولا تبيدان، فإن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق، وخلق لهما أهلًا، فمن