للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} [الكهف: ٢٣، ٢٤].

ومن السنة المطهرة قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للرجل الذي قال له: ما شاء الله وشئت: (أجعلتنى والله عدلًا، بل ما شاء الله وحده) (١).

فهذا الحديث واضح في الاستدلال لهذه المرتبة، وحجة قاطعة في إثبات أن الأمر كله راجع لمشيئته تعالى، فلا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه.

ويقوم مذهب السلف في الإيمان بهذه المرتبة على أساس التفريق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية، فليس كل ما أراده الله تعالى شرعًا يتحقق له النفاذ القدرى، وليس كل ما أراده قدرًا يكون مرادًا له في الشرع.

وبهذا يصح تقسيم الإرادة إلى: كونية وأخرى شرعية.

فالكونية في مثل قوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة: ٢٥٣].

والشرعية في مثل قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥].

وبذلك تكون الإرادة الكونية هي المرادفة للمشيئة القدرية النافذة المتحققة الوقوع، ولا يشترط فيها أن تكون مرادة لله تعالى شرعًا أي محبوبة مرضية له تعالى (٢)، وعلى هذا الأساس يمكن تحديد علاقة الإرادة بالمشيئة بأن بينهما العموم والخصوص المطلق، فكل مشيئة إرادة، وليست كل إرادة مشيئة؛ لأن منها ما هو شرعى وليس شرعى وليس بقدرى، كما سبق بيانه.

وعليه يكون كلام الصاوي السابق في العلاقة بين الإرادة والأمر مخرجًا على هذا النحو؛ لأن في هذا التقسيم إعمالًا للنصوص الشرعية الدالة على أن الإرادة قد تطلق على ما هو مراد لله تعالى شرعًا لا قدرًا، كالآية التي ذكرتها من قبل: {يُرِيدُ


(١) سبق تخريجه: ٤٤٥.
(٢) انظر: الفتاوى لشيخ الإسلام: (٨/ ١٨٨).

<<  <   >  >>