للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومع إنه ليس في هذه الأحاديث ما يقطع بدخولهم في النار إلا أن مجرد ذبهم عن الحوض فيه معنى العقوبة، ويدخل في عموم العذاب، يقول الإمام النووي: "لا يقطع لهؤلاء الذين يذادون بالنار بل يجوز أن يذادوا عقوبة لهم ثم يرحمهم الله سبحانه فيدخلهم الجنة بغير عذاب" (١)

وبهذا يتبين أن الآية التي استدل بها الصاوي وهى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: ٧٤]، تفيد قاعدة كلية وحكمًا عامًا، قد يستثنى منه البعض لوجود مانع أو انتفاء شرط، وهذا كصاحب الغلة التي غلها في غزوة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال افتتحنا خيبر، ولم نغنم ذهبًا ولا فضة، إنما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط، ثم انصرفنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى وادى القرى، ومعه عبد له يقال له مدعم أهداه له أحد بنى الضباب (٢)، فبينما هو يحط رحل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه سهم عائر، حتى أصاب ذلك العبد، فقال الناس: هنيئًا له الشهادة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (بل، والذي نفسى بيده، إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم، لم تصبها المقاسم، لتشتعل عليه نارًا) (٣)

كما أنه مما اشتهر أن الجنة لا يشهد لأحد بدخولها إلا من ورد تبشيره بها على جهة التعيين، فمع صحة ما ذهب إليه الصاوي من أن حديث العشرة لا يفيد حصر البشارة على هؤلاء، فإنه لا يسلم أن تعم على أحد حتى مع عدم ورود الدليل على تعيينه بالبشارة، والصحيح أن الحديث لا يفيد الحصر ولا ينفى الزيادة المثبتة بالأحاديث الأخرى المتفرقة، يقول العينى في تعليقه على حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي فيه


(١) شرح مسلم: (٣/ ١٣٧).
(٢) أهداه رفاعة بن زيد الجذامى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأعتقه رسول الله، وقيل لم يعتقه: أسد الغابة في معرفة الصحابة، لابن الأثير: (٥/ ١٣١).
(٣) أخرج البخاري في صحيحه: فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - بشراك أو بشراكين، فقال هذا شيء كنت أصبته، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (شراك - أو شراكان - من نار) كتاب المغازى - باب: غزوة خيبر، رقم الحديث: ٣٩٩٣.

<<  <   >  >>