ومع إجماع أهل العلم على هذا الذي بينه الإمام الذهبي من وجوب الإمساك عن التخاصم الذي حدث بينهم، إلا أنه قد يستحب على المتمكن المنصف العالم دراسة تلك الروايات، ومعرفة أغوارها، وتنقيتها من الكثير مما داخلها من الأغلوطات الوهمية، التي سجلتها كتب التاريخ، كل ذلك بقصد الذب، عنهم، وإجلاء حقيقة ما أثير ضدهم - رضي الله عنهم أجمعين -، فلا يشك حينئذ من موافقة هذا العمل للمقاصد الشرعية المعتبرة عند أهل العلم.
فإنه لا يخفى على المتبصر بأمر هذا الدين الحنيف ما للصحابة الكرام من الفضل في حفظه، وفي نشر تعاليمه، وهداية الناس له، إذًا فحقيقة الدفاع عنهم - رضوان الله عليهم -، دفاع عن الدين نفسه، كما أن الطعن فيهم طعن في الدين، ليس من جهة اشتماله على مدحهم والأمر بحفظ أعراضهم والترضى عنهم فحسب، بل من جهة كونهم القاعدة الرصينة التي أريمى عليها دعائم الإسلام، ولا يخفى على المتأمل ما تحمله كلمات الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو يناجى ربه في أول غزوة في الإسلام، في معركة بدر:
تلك المعركة التي احتدم فيها الصراع بين النور والظلام مؤذنًا بغلبة النور واستعلائه، حيث قال - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم -: (اللهم! إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض)(١).
وأما إذا خلت المطالعة من اقتضاء هذه المصلحة المعتبرة، فمن المسلم عدم اعتبار شرعيته، وأن الأولى والأصوب هو التوقف عن مثل هذا العمل الذي لا نفع فيه، بل قد يلحق بصاحبه من المضار ما لا طاقة له بدفعه، فيتأثر بتلك الروايات والأكاذيب مما يؤدى به في نهاية المطاف إلى الطعن فيهم، والقدح في أعراضهم، فيخرج بذلك عن المنهج الذي خطه الشارع الحكيم لاتباع هذا الدين، حيال حملة أمانته، وحفظة كتابه وسنته؛ الصحابة الكرام - رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين -، وجمعنا بهم في مستقر رحمته، آمين.
(١) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الجهاد والسير - باب الإمداد بالملائكة: (١٢/ ٨٤).