للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيًا: مع تبلور الفكر الصوفى كانت النزعة الوجدانية ذات صبغة عالية التأثير على المفاهيم والأسس، ولهذا أسباب سيرد ذكرها فيما بعد - بإذن الله تعالى -، فأصبح مصدر التلقى المعتمد هو الوجدان أو التجربة الشعورية، فليس ثمة معيار ثابت ذى قيم مستقيمة، ينبنى على أساسه استيعاب المصطلحات الصوفية، أو التعبير عنها، بدأ من مصطلح التصوف (١).

ويمعن بعضهم في تقرير هذا السلوك لتلقى المعارف عندهم، ومن ذلك ما حكاه الشعرانى في ترجمة على ولده (٢)، حيث قال عنه: "الضروريات والبديهيات إنما هي أمور وجدانيات وهى أصول النظريات، فالوجد أصل أصول هذا الباب فافهم، وإنما احتيج إلى الحجج والأدلة لتوقع المطالب في النفس موقع الوجدان أو ما يقاربه، متى وجدت المطلوب لم تحتج إلى شيء من ذلك، فيا واجد الحق تحقيقًا أو تصديقًا حسبك وجدك، . . .، : {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت: ٤٤]، {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: ٢٢] فالأمر عندهم وجدانى فافهم {الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ} [الأعراف: ١٥٧] ". (٣)

- وقد التزم أهل التصوف في سيرهم على هذا المنهج المتضارب العجيب آدابًا يتمسكون بها أشد التمسك، وكان في مقدمتها تعظيم الشيخ والتلقى عنه بلا أدنى جدال أو اعتراض، حتى غدا هذا الضرب من الالتزام الأخلاقي سببًا كبيرًا وأساسًا صلبًا لاتساع دائرة التصوف ودخول عدد كبير من الناس فيه، حيث عمل على سد باب الاعتراض الذي يفرضه التضارب الحاصل في الفكر الصوفى، والذي يعمل جاهدًا في محاولة الانتماء إلى الإسلام وعدم الخروج عنه، ولو ظاهرًا.

* * *


(١) انظر: الرسالة القشيرية: ٢٧٩.
(٢) هو الصوفى المتعمق على ولده ولد ليلة الأحد حادى عشر محرم سنة إحدى وستين وسبعمائة، توفى عام أحد وثمانمائة، وله عدد من المؤلفات في فنون التصوف. انظر: الطبقات الكبرى للشعرانى: (٣٩٤).
(٣) المرجع السابق: ٤٣١.

<<  <   >  >>