للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"ولتوثيق هذه الحقائق تجدر الإشارة إلى أهم المؤلفات الأفلاطونية التي تم لها الترجمة فعرفها المسلمون في أواخر القرن الثالث الهجري، وكانت ملأى بهذه الأوهام الفلسفية، وهي: كتاب أثولوجيا أرسطاطاليس بمعنى: قول في الربوبية. وكتاب الإيضاح في الخير المحض، وكتب أحد القساوسة الذين تنصروا على يد بولس بعنوان: الله المقدس. (١)

ولما انحرف مصدر التلقي عند الصوفية، وصار سبيل المعرفة عندهم هو ما يتوصل إليه بالوجد والذوق والكشوف، اضطربت لديهم المفاهيم حول أصول العقيدة وقد "تجلى ذلك واضحًا في تفسير الولاية والنبوة والوحي ومعجزات الأنبياء وكرامات الأولياء" حتى لا يكاد "يختلف في ذلك الصوفية المسمون بصوفية أهل السنة عن الصوفية الإشراقيين، أو ممن سموا بالصوفية المتفلسفين" (٢)

ولعلي أفصل الحديث في هذه المهمات فيما بعد، ويكفيني هنا أن أشرت إلى بطلان القول بأن ما انتهى إليه التصوف مستمد من الكتاب والسنة، كما قرر ذلك الصاوي.

فإذا اتضح هذا فإنه من العجب أن يدعى الصاوي نقل علم الباطن والذي يقصد به التصوف عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأي باطن هذا الذي نقل عنه، وإذا كان حقًا ما يقول فلماذا لم يظهر أثره على الصحابة الكرام؟ مع ما عرف عنهم من شدة المحبة له - عليه الصلاة والسلام - والتمسك بسنته واقتفاء أثره، حتى روى عن بعضهم أنه كان يقلده في مشيه وأكله وجلسته، كل ذلك رجاء الثواب الموعود به في مثل قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}.

وهذا ما يقال أيضًا في الوجه الآخر من محاولته تأصيل علم التصوف من جانب الشرع، حيث ادعى أن واضعوه هم الآخذون عن النبي بالسند المتصل، فأي سند


(١) انظر: أضواء على التصوف، لطلعت غنام: ١٠٤.
(٢) التصوف الإسلامي، إبراهيم هلال: ٣٣.

<<  <   >  >>