للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دليلًا صادقًا على ذلك: المقامات في الفكر الصوفي خصوصًا ما يتعلق منها بمعرفة الله إن صح التعبير كالفناء والبقاء حيث يجتهد الهندوسي من أجل الخلاص من كل ما يمكن أن يعيق تحرره للوصول إلى النرفانا.

وتعني النرفانا تصفية النفس من كل متعلقاتها الشهوانية حتى تصل إلى مرتبة الاتحاد، فلا تعود مرة أخرى بعد الموت ملبسة بعقاب التناسخ الذي يحكم عليها بالحياة مرة أخرى في قيود الأجسام والشهوات (١)، وقد لا تتفق تمامًا حقيقة المعتقد، إلا أن التشابه واضح جدًا في جعل إشباع الحاجات البشرية من الطعام والشهوات ولو بصورة مباحة عائقًا من الخلاص، كما أن الغاية التي يرنو إليها الصوفي - الغالي - وهي الوصول إلى الفناء الوجودي، كبيرة الشبه بأمنية الهندوسي في الاتحاد.

وكان التأثر بالفكر اليوناني الأفلاطوني أحد العوامل التي لعبت دورًا خطيرًا في التنظير لفكرة الفيض والإشراق، والتي تبلورت عند السهروردى المقتول وابن عربي الطائي. (٢)

ومهما قيل عن التأثير الفارسي في مذهب الإشراق، إلا أن رواسب الفكر الأفلاطوني في ذلك المذهب لتؤكد وبطريقة حاسمة أن هذا المذهب هو استمرار للفلسفة اليونانية بالصورة الأفلاطونية المتأثرة بتيارات الفكر الفلسفي التلفيقي، الذي راجت تعاليمه عند السريان، وانتقلت على هذه الصورة إلى المسلمين في عصر الترجمة.

يؤكد هذا أن "نظرية المتصوفين في الكشف والشهود إنما هي أفلاطونية حديثة في صميمها، وكذلك نظريتهم في المعرفة التي هي ترجمة لكلمة غنوص اليونانية، وفي النفس وهبوطها إلى هذا العالم، وفي العقل الأول والنفس الكلية، بل إن الفيوضات كلها مستمدة من مصادر أفلاطونية حديثة مع قليل أو كثير من التحوير"


(١) انظر: أديان الهند، محمد ضياء الرحمن الأعظمي: ١٢٤.
(٢) انظر: تاريخ التصوف الإسلامي، عبد الرحمن بدوي: ٤٢.

<<  <   >  >>