للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تحليلًا وعرضًا ونقدًا، فإنما يستمد من طريقة أولئك العلماء؛ نصحًا لدين الله تعالى، واستجابة لداعى الإنصاف والعدل.

* * *

أولًا: تعريف الفناء:

لما كان الفناء هو أول المقامات الآنفة الذكر، وكان بمثابة البوابة التي دخل منها أهل التصوف إلى درجات الترقى في سلم الوصول إلى الولاية؛ كما اعتقدوا بغير سلطان آتاهم، صح أن أبدأ الحديث به.

فإن ما ادعاه الصاوي من أن مقام الكمل في التوحيد هو مقام الفناء، حيث لا يشهد العبد سوى ذات الله تعالى، فليس بمسلم له، فإن تفصيل القول فيه كما يلي: أن للفناء أقسام بعضه مقبول، بل عليه مدار التوحيد، وهو الفناء عن عبادة السوى.

وبعضه مردود؛ باعتبار ما فيه من الابتداع، الذي قد يؤدى بصاحبه إلى بوابة الإلحاد، وهو الفناء عن شهود السوى، وغايته تعمق في توحيد الربوبية، وشهود للقدر.

وبعضه كفر بواح، مناقض للدين بالكلية، وهو الفناء عن وجود السوى، فليس ثمة موجود إلا الله، وهذا ما حكاه ابن عربي وأمثاله من الملاحدة.

ولكن لما كانت هذه المصطلحات؛ كما هو واضح من التقسيم السابق، محل اشتباه وإيهام؛ فقد حذر من الاغترار بها العلماء، "فإن الفناء والبقاء من ترهات الصوفية، دخل من بابه كل إلحادي وكل زنديق، وأراد قدماء الصوفية بالفناء نسيان المخلوقات، وفناء النفس عن التشاغل بما سوى الله، ولا يسلم إليهم هذا أيضًا، بل أمرنا الله ورسوله بالتشاغل بالمخلوقات، ورؤيتها والإقبال عليها، وتعظيم خالقها" (١).

وأدع تفصيل القول فيما يقبل منه وما يرد - إنصافًا وتحقيقًا - لشيخ الإسلام


(١) سير أعلام النبلاء: (١٥/ ٣٩٣).

<<  <   >  >>