للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعرضها على منهج السلف الكرام، فقبلوا ما كان موافقًا لذلك منها، وردوا ما خالف وخرج عن النهج القويم، تمامًا كما اجتهدوا في النصح لدين الله تعالى في مواجهة ما أحدثه المتكلمون من استخدام ألفاظ مبتدعة، كالجوهر والعرض والتحيز والجهة، إلى غير ذلك مما أقاموا عليه صرح مواقفهم الكلامية في بناء العقيدة على أسس ليس لها من الإسلام مستمد، فكانوا كمن رفع بنيانه على شفا جرف هار لم يتمالك أمام معاول النصح الصادق لدين الله تعالى، فانهار على أم رأسه، وبقى الحق موقوفًا على ما جاءت به نصوص الكتاب والسنة.

ومن هنا قام أهل العلم؛ بدافع الإنصاف والتحقيق إلى سبر أغوار هذه المصطلحات، وعرضها على النهج القويم، فقبلوا منها ما استقام معناه وردوا ما أجحف وضل وغاب عن الحق، ليس من باب التسليم بصحة ما ذهب إليه أولئك، وإنما من باب إقامة الحجة، ورد الباطل، والدفاع عن العقيدة الصحيحة، مع الالتزام بآداب الجدال الصحيح، الذي تقوم أركانه على الاعتدال والتوسط مع رد المتشابه إلى المحكم؛ تمسكًا بحقيقة الحكمة التي أنيط بتحقيقها صدق الدعوة إلى الله تعالى.

فالفناء والبقاء والجمع والفرق والصحو والمحو والسكر والوجد، كلها مصطلحات غريبة المبنى والمعنى، لا يمكن أن تعتمد في بناء العقيدة، وهي معرفة الله تعالى وتوحيده والإيمان به، ويتضح هذا إذا علم على جهة اليقين بأن أعظم رسالة للأنبياء والرسل كانت في بناء هذه العقيدة في قلوب الناس، فكيف يغفل خيرة خلق الله تعالى وأبرهم قلوبًا وأصدقهم إيمانًا، أولئك الذين اختارهم الله ليكونوا ترجمانًا حيًا لما أوحاه الله إليهم يصدق بكل ما جاءوا به من عند الله تعالى، كيف يغفل أولئك الأخيار عن هداية الناس لمثل هذه المقامات، التي أناط الصوفية بتحقيقها نيل درجة الولاية: أسمى أماني العبد، الذي يريد أن يكون من أهل هذه البشرى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: ٦٢].

ولكل الذي تقدم؛ فإن كل ما سيأتي بيانه وتفصيله في ثنايا دراسة هذه المقامات

<<  <   >  >>