للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس بمخلص له ما ذكره من أن أحوالهم أكمل من أحوال غيرهم من الأولياء، وإن كان هذا مما يحمد له ويذكر فقد خالف ما عليه الكثير من المتصوفة في تفضيل الأولياء على الأنبياء، بل يجب اعتقاد كمال عبادتهم لله تعالى حتى صح تعليق كمال الاهتداء بمتابعتهم؛ فأمر النبي - عليه الصلاة والسلام - باقتفاء هديهم - صلى الله عليهم وسلم تسليما كثيرًا -، قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}.

هذا وقد نسب الصاوي مقام البقاء إلى إبراهيم - عليه السلام - عند سؤاله المولى عز وجل، ويكون حقًا إذا أريد بالبقاء المعنى الذي ليس فيه ما ينافي الفناء الصحيح، وهو حقيقة التوحيد الذي بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب وأول المقامات وآخرها ذلك هو "تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، فيفنى من قلب العبد التأله لغير الله ويبقى في قلبه تأله الله وحده، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} [الزخرف: ٢٦، ٢٧]، "وقد جعله الله لنا ومن معه أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر" (١).

يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: "والقرآن كله مملوء من تحقيق هذا التوحيد والدعوة إليه وتعليق النجاة والفلاح واقتضاء السعادة في الآخرة به، ومعلوم أن الناس متفاضلون في تحقيقه، وحقيقته إخلاص الدين كلة لله، والفناء في هذا التوحيد مقرون بالبقاء، وهو أن تثبت إلهية الحق في قلبك، وتنفي إلهية ما سواه، فتجمع بين النفي والإثبات، فتقول: لا إله إلا الله، فالنفي هو الفناء، والإثبات هو البقاء، وحقيقته أن تفنى بعبادته عما سواه، وبمحبته عن محبة ما سواه، وبخشيته عن خشية ما سواه، وبطاعته عن طاعة ما سواه، وبموالاته عن موالاة ما سواه، وبسؤاله عن سؤال ما سواه، وبالاستعاذة به عن الاستعاذة بما سواه". (٢)


(١) مجموع الفتاوى: (١٣/ ٢٠٠).
(٢) منهاج السنة: (٥/ ٣٤٧).

<<  <   >  >>