للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا تبين هذا علم أن التوكل دعاء، والاستعانة دعاء، والرجاء دعاء، والذكر دعاء، ومع هذا فلا يصح ترك الأخذ بالأسباب اعتمادًا على هذه العبادات في تحصيل النفع، أو دفع الضر الدنيوى، لذلك ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بين رجلين، فقال المقضي عليه لما أدبر: (حسبي الله ونعم الوكيل)، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله تعالى يلوم على العجز، ولكن عليك بالكيس، فإذا غلبك أمر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل). (١)

"فلو فعل الأسباب التي يكون بها كيسًا، ثم غلب فقال: حسبي الله ونعم الوكيل؛ لكانت الكلمة قد وقعت موقعها، كما أن إبراهيم الخليل لما فعل الأسباب المأمور بها ولم يعجز بتركها، ولا بترك شيء منها، ثم غلبه عدوه، وألقوه في النار، قال في تلك الحال: (حسبي الله ونعم الوكيل)، فوقعت الكلمة موقعها، واستقرت في مظانها؛ فأثرت أثرها، وترتب عليها مقتضاها، وكذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يوم أحد، لما قيل لهم بعد انصرافهم من أحد: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فتجهزوا وخرجوا للقاء عدوهم أعطوهم الكيس من نفوسهم، ثم قالوا: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: ١٧٣]. (٢)

ومن هنا نجزم بأن إبراهيم - عليه السلام - لم يدع الدعاء وقت إلقائه في النار، بل كان في حالة تلك متوسلًا إلى الله تعالى بالتوكل إليه، وتفويض الأمر له، وهذا من أعلى درجات العبادة، لذلك أتى معطوفًا عليها من باب عطف الخاص على العام لبيان أهميته: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.

وعليه فكل ما بنى على هذه الحكايات الباطلة؛ فلا اعتداد به، كما أن نسبة السكر والغياب إلى الأنبياء مما لا يجوز في حقهم، لأنه حال نقص، والأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - أحوالهم في عبادة الله في أعلى المقامات الكاملة التامة


(١) أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الأقضية - باب الرجل يحلف على حقه، رقم الحديث: ٣٦٢٢: (٤/ ٢٣٠).
(٢) زاد المعاد: (٢/ ٣٦٢).

<<  <   >  >>