للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن المعلوم أن الدعاء ينقسم إلى قسمين: دعاء مسألة ودعاء عبادة، وكل منهما متضمن للآخر، قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: ٥٥, ٥٦].

يقول الإمام ابن القيم في بيان هذا التقسيم: "هاتان الآيتان مشتملتان على آداب نوعي الدعاء: دعاء العبادة، ودعاء المسألة، فإن الدعاء في القرآن يراد به هذا تارة وهذا تارة، ويراد به مجموعهما، وهما متلازمان؛ فإن دعاء المسألة هو طلب ما ينفع الداعي، وطلب كشف ما يضره أو دفعه، وكل من يملك الضر والنفع فإنه هو المعبود حقًا، والمعبود لا بد أن يكون مالكًا للنفع والضرر، ولهذا أنكر الله تعالى على من عبد من دونه ما لا يملك ضرًا ولا نفعًا.

وذلك كثير في القرآن، كقوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ}؛ فنفى سبحانه عن هؤلاء المعبودين من دونه النفع والضر القاصر والمتعدى، فلا يملكونه لأنفسهم ولا لعابديهم، بيد أن المعبود لا بد أن يكون مالكًا للنفع والضر؛ فهو يدعى للنفع والضر دعاء المسألة، ويدعى خوفًا ورجاءً دعاء العبادة؛ فعلم أن النوعين متلازمان، فدعاء العبادة مستلزم لدعاء المسألة، وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة". (١)

وعليه فكل عبادة لله تعالى باللسان أو القلب أو الجوارح؛ فهي دعاء لله تعالى، ولهذا فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - الدعاء بالعبادة، ففي الحديث الصحيح أن النبي قال: (الدعاء هو العبادة)، ثم قرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: ٦٠] (٢).


(١) بدائع الفوائد، لابن القيم: (٣/ ١٥٣ - ١٥٤).
(٢) أخرجه الترمذي في سننه: كتاب تفسير القرآن - باب من سورة المؤمن, رقم الحديث: ٣٢٤٧، قال الترمذي: حسن صحيح: (٥/ ٣٤٩). وصححه الألباني في صحيح الترمذي، برقم: ٢٥٩٠: (٣/ ١٠١).

<<  <   >  >>