للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كانوا على أتم ما يكون من طلب مرضاة الله تعالى بالنوافل؛ خوفًا ورجاء ومحبة وخشوعًا.

وعليه فلا مفارقة بين بلوغ المحبة، وبين السير إلى الله تعالى بأنواع القربات؛ إذ العلاقة بينهما علاقة تلازم واقتضاء، فكلما ازداد العبد في طلب القرب من الله تعالى؛ كلما ازدادت محبة المولى تعالى له، والعكس بالعكس، حتى يتم له الثبات على الاسترسال في مراضى المولى؛ بتوفيق منه سبحانه، فلا يسمع إلا بالله، ولا يبصر إلا بالله وهكذا، كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

* * *

أما ما ذكره من مقام حضرة الله حضرة الإطلاق، فإن هذا المصطلح لم يرد عن أحد من السلف أو ممن تبعهم بإحسان، كما أن فيه من الغموض ما لا يخفى، ولعله أراد بهذه التسمية أن تفنى إرادة العبد عن كل ما يلحظ سوى الله؛ فيصبح طليقًا من المرادات الأخرى، ويفنى في مرادات الله، وتعظيمه، وإجلاله؛ فيتملكه الخوف حتى لا يبقى في إرادته ما يتمكن به من ملاحظة أعماله الصالحة.

وعند إرادة هذا المعنى، فإنه يبقى التأكد على أن الطريق إلى الله عز وجل لا يكون إلا بثلاثة مسالك، من انقطع به السير في أحدها لا يمكن له البلوغ، وهي الخوف والرجاء والمحبة (١)، كما كان عليه حال الأولين السابقين، ومن الأنبياء والمرسلين.

وأما ما اعتمده الصاوي لنسبة الفناء إلى إبراهيم - عليه السلام - مما اشتهر عند الصوفية من إعراض إبراهيم - عليه السلام - عن الدعاء عند إرادة إحراقه بالنار فغير مسلم، بل هو من الأقاويل المختلقة، والصحيح في هذا ما رواه حبر الأمة عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -، حيث قال: (كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل) (٢).


(١) سيأتي الحديث عنها مفصلًا: ٧٥٥.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب التفسير - باب إن الناس قد جمعوا لكم، رقم الحديث: ٤٥٦٤.

<<  <   >  >>