للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا هو حقيقة توحيد الخواص عندهم، فمن لم تتسام نفسه لتقف على حقيقة التوحيد مجردًا فليس له نصيب من التوحيد الذي شهد به الحق تعالى لنفسه، ولتأصيل هذا المعتقد يلجأ الجنيد - بحسب ما نقل عنه - إلى الاستدلال بقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا}، قائلًا: "فمن أين كان، وكيف كان قبل أن يكون؟ وهل أجابت إلا الأرواح الظاهرة بإقامة القدرة وإنفاذ المشيئة؟ فهو الآن في الحقيقة كما كان قبل أن يكون، وهذا غاية حقيقة التوحيد للواحد: أن يكون العبد كما لم يكن، ويبقى الله تعالى كما لم يزل". (١)

ويقول الشبلي: "ما شم رائحة التوحيد من تصور عنده التوحيد". (٢)

ويقول الهروي: "وأما التوحيد الثالث: فهو توحيد اختصه الحق لنفسه، واستحقه لقدره، وألاح منه لائحًا إلى أسرار طائفة من صفوته، وأخرسهم عن نعته وأعجزهم عن بثه" (٣)

وكما بينت سابقًا إن هذه الحالة أو المقام قد تحمل صاحبها على النطق بالشطحات المعروفة والتي كان مصدرها ذهول الصوفي وعجزه عن التمييز، كما يدعون. (٤)

ولم يقف الأمر عند حد الشطحات بل تعداه إلى ادعاء سقوط التكاليف في حال المشاهدة لمحل السكر والاصطلام، فيستوى المحظور والمأمور عند السالك، حيث تفنى إرادته عن مشاهدة الإرادة الشرعية، وتبقى الإرادة الكونية ماثلة لتأملاته الوجدانية، ليربط بمشاهدتها تخليه عن الامتثال للأحكام الشرعية. (٥)

ومن هنا فإن وحدة الشهود تعني أن يقف الصوفي على عين التوحيد بتجربة نفسية تخضع لعدد من المجاهدات والشروط، فيفقد فيها نتيجة لما يصاب به من


(١) اللمع لأبي نصر الطوسي: ٥٠.
(٢) الرسالة القشيرية: ٣٠٢.
(٣) مدارج السالكين: (٣/ ٤٧٢ - ٤٧٧).
(٤) انظر: تلبيس إبليس: ٤١٧.
(٥) انظر: التعرف: للكلاباذي: ١٢٧، وانظر: الرسالة القشيرية: ١٢٨.

<<  <   >  >>