للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السكر القدرة على التمييز، قد تكون متعمدة وقد تكون طارئة لشدة ما يجده من قوة الوارد، يؤكد ذلك أقوال بعضهم في حقيقة التوحيد المعتبر، يقول أبو سعيد الخراز: "أول مقام لمن وجد علم التوحيد وتحقق بذلك فناء ذكر الأشياء عن قلبه وانفراده بالله عز وجل" (١)

فمن هذا النص يتبين أنه لا يمكن لتحقيق هذه الوحدة إلا بسلوك طريق المجاهدة ومحو الأغيار، فهي إذًا حالة لا تنفك عن الوجدان الذي هو من أخص سمات المنهج الصوفي، بخلاف وحدة الوجود التي ليس لها اتصال بالتجربة النفسية إلا بالقدر الذي يتبناه أهل الاتحاد من وحدة الشهود، وإنما هي نظرية فلسفية بحتة النشأة، يشترك فيها الصوفي وغيره.

وبهذا الذي تقدم يمكن تحديد الفرق بين وحدة الشهود ووحدة الوجود وذلك بالتأكيد على أن الشهود يقوم على الإثنينية، بمعنى أنه لا يتأتى الشهود إلا بشاهد ومشهود، وإن حصل اللبس على الصوفي الغارق فإنه لا ينتهي به إلى الاتحاد الذي يتحدث عنه أصحاب الوحدة، ومع وجود بعض الألفاظ في ثنايا التقارير الصوفية التي توحي بخلاف ذلك، كقول القشيري: "وتوهم قوم أن المشاهدة تشير إلى طرف التفرقة، لأن باب المفاعلة إنما يحدث بين اثنين، وهذا تخيل من صاحبه، فإن في ظهور الحق - سبحانه - إهلاك الخلق" (٢)، إلا أنها لا تصل إلى تقرير معتقد وحدة الوجود القائم على أساس الأحدية الذي يحكم بأن جميع الموجودات إنما هي مظاهر وتجليات للذات الإلهية، إذ تبقى حقيقة المشاهدة قائمة على أساس من الثنوية التي لا ينكرها واحد منهم (٣).

أما الشطح وأحكامه فقد سبق الحديث عنه في أقسام المقامات.

ويصرح بعضهم تأكيدًا لهذا الفارق بنفي الاتحاد، يقول الطوسي: "فإن صح عن


(١) المرجع السابق: ٣٠٢.
(٢) الرسالة: ٧٦.
(٣) انظر: نشأة الفلسفة الصوفية: ١٦١.

<<  <   >  >>