للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحد أنه قال هذه المقالة - يعني الاتحاد - وظن أن التوحيد أبدى له صفحته بما أشار إليه، فقد غلط في ذلك، وذهب عليه أن الشيء مجانس للشيء الذي حل فيه، والله تعالى بائن من الأشياء، والأشياء بائنة منه بصفاتها، والذي أظهر في الأشياء: فذلك آثار صنعته ودليل ربوبيته. . فمن صح عنه شيء من هذه المقالات فهو ضال بإجماع الأمة، كافر يلزمه الكفر فيما أشار إليه" (١).

وعليه فإني أخالف بعض الباحثين فيما ذهبوا إليه من اتحاد مفهوم وحدة الوجود بالشهود. ويجدر بي التنبيه إلى أن ما ذكرته لا يعني أن وحدة الشهود ليس فيها ما قد يصل بصاحبها إلى ما يناقض التوحيد، لأنها كما مر من تعريفها باب لمزلة عظيمة قد تهوى بالمستهلك الغارق إلى دائرة العدم فيسقط الفرائض ويدعي الاتحاد مع الله (٢)، ولكن هو من باب ذكر الفروق حتى يتم تمييز هذه المصطلحات وما ينبني عليها من أحكام.

وفي مقابل هذا التفسير لوحدة الشهود بأنها مماثلة لوحدة الوجود فقد ذهب بعض الصوفية إلى العكس من ذلك، حيث فسروا بما يلزم وحدة الوجود من الاتحاد بوحدة الشهود، يقول الجرجاني في تعريف الاتحاد: "وهو شهود الوجود الحق الواحد المطلق، الذي الكل موجود بالحق، فيتحد به الكل من حيث كون كل شيء موجودًا به، معدومًا بنفسه ولا من حيث إن له وجودًا خاصًا اتحد به فإنه محال" (٣)

رأي الشيخ الصاوي:

يمنع الصاوي وهو الأشعري المتمسك بأشعريته من اعتقاد الحلول أثناء الترقي في هذه المقامات؛ لما في ذلك من مناقضة أصل معرفة الله تعالى مما هو معلوم من أدلة المتكلمين، يقول في أقسام الناس الذين عرفوا الله بالمعرفة الخاصة، كما هي عليه في عرف الصوفية: "المعرفة الخاصة: شهود أفعال: وهي للأبرار، وشهود أسماء


(١) اللمع للطوسي: ٥٤١.
(٢) انظر: نشأة الفلسفة: ١٦٣.
(٣) التعريفات: ٢٩.

<<  <   >  >>