الوجود: وجود الأول الآخر الظاهر الباطن، ووجود المخلوقات الفانية الحادثة من العدم والآيلة إلى عدم، وجميع رسالات الأنبياء إنما أتت لتدل على هذه الحقيقة إذ عبادة الله وحده لا شريك له تتضمن إفراده تعالى بما هو أهل له، وما من دليل يستدل به على وجوب توحيده تعالى بالعبادة إلا وهو يدل بالتضمن على هذا الأصل العظيم، ولكونه من الأمور المقررة في الفطرة السليمة فقد استدل به ولم يستدل له، قال تعالى:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}، فإنه لبداهة امتناع القضيتين سكت عن بيان جوابهما.
وآيات الكتاب الحكيم في الدلالة على هذا كثيرة، وسورة الفاتحة التي تضمنت أصول الاعتقاد الذي تعبد الله تعالى به الخلق لتدل صراحة على نقض هذا المعتقد وإبطاله، قال تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله - في بيان رد هذه الآية على القائلين بهذا المعتقد الباطل:"العالم كل ما سواه فثبت أن كل ما سواه مربوب مخلوق بالضرورة، وكل مخلوق حادث بعد أن لم يكن، فإذًا ربوبيته تعالى لكل ما سواه: تستلزم تقدمه عليه، وحدوث المربوب، ولا يتصور أن يكون العالم قديمًا وهو مربوب أبدًا، فإن القديم مستغن بأزليته عن فاعل له، وكل مربوب فهو فقير بالذات فلا شيء من المربوب بغني ولا قديم"(١).
* * *
ولما كانت هذه العقيدة مناقضة للأصل الذي قام عليه توحيد الألوهية: وهو إفراد الله تعالى بأفعال الربوبية، فقد أدت إلى معارضة حقائق العبودية وهدم مسلماتها، فقد اقتضى هذا الاعتقاد المارق كثيرًا من أسس الإلحاد في ألوهية المولى تعالى، والتي كان له قدم السبق في إرسائها عند من عمى عليهم فلم يعرفوا الحق من