للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الباطل، فوحدة الأديان التي لا تفرق بين كافر ومسلم كانت إحدى المسلمات التي تمخضت عنها هذه العقيدة المارقة، يقول ابن عربي:

لقد صار قلبي قابلًا كل صورة ... فمرعى لغزلان ودير لرهبان

وبيت لأوثان وكعبة طائف ... وألواح توراة ومصحف قرآن

أدين بدين الحب أنى توجهت ... ركائبه فالحب ديني وإيماني" (١)

وكذلك إسقاط التكاليف، فليس ثمة فرق بين الرب والعبد حتى يجهد العبد نفسه بالتزام الأوامر والنواهي مع ذلك الاتحاد الموهوم، يقول ابن عربي:

الرب حق والعبد حق ... يا ليت شعري من المكلف

إن قلت عبد فذاك ميت ... أو قلت رب أنى يكلف" (٢).

وإذا تبين ما في هذا المعتقد من نقض لأصول الإيمان وحقائق التوحيد فإن فيه أيضًا مناقضة لصريح المعقول ولا غرابة إذ لا معارضة بين النص الصحيح والعقل الصريح. وذلك لأن الوجود من الكليات التي ليس لها واقع إلا في جزئياتها المتحققة في الخارج، فمن غير الممكن إثبات المتعين في الواقع الخارجي بالكلي، لأن الكلي لا وجود له في الأعيان، وإنما وجوده في الأذهان، ولا يكون الشيء موجودًا في الخارج إلا مع تحققه بالصفات التي يتحقق بها وجوده وتميزه عن غيره من الموجودات، أما ما يذهب إليه هؤلاء من إثبات إله لا صفات له تباينه عن غيره من الموجودات فهذا من الأوهام الذاتية الباطلة التي مؤداها نفي الخالق، تعالى عن قولهم علوًا كبيرًا.

ومن هنا فإنه لا يصح إثباتهم لوجود الله تعالى بهذه العقيدة الضالة.

يقول شيخ الإسلام - رحمه الله - في محاجاة القائلين بهذه الأوهام أذناب الفلاسفة المجحفين: "فإذا ثبت له أن العقل الصريح يمنع أن يكون في الخارج


(١) ذخائر الأعلاق شرح ترجمان الأسواق، لابن عربي. نقلًا عن كتاب وحدة الوجود الخفية: ٤١٩.
(٢) الفتوحات المكية: (١/ ١٥).

<<  <   >  >>