للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجود كلي مطلق بشرط الإطلاق، وأن الكليات بشرط إطلاقها أو عمومها إنما وجودها في الأذهان، لا في الخارج، وكان عارفًا بهذه العلوم، وبينت له ما تستلزم أقوالهم الكثيرة من الجمع بين المتناقضات التي هي معلوم استحالتها ببداهة العقول، وما كان كذلك، فإذا ادعى أنه عرفه كشفًا وشهودًا أو ذوقًا علم أنه خيالات فاسدة، وأذواق فاسدة، وذلك أنه لا بد من أحد الأمرين:

إما أن يكون قد شهد ما وجوده في الأذهان، فاعتقد وجوده في الأعيان، كما يقع لكثير من الناس، ومعلوم أن شهود الشيء غير العلم بكونه في النفس أو الخارج، وهؤلاء قد يحصل لهم مجرد الشهود من غير تمييز بين الموجود في النفس أو الخارج، وكثيرًا ما يضلهم الشيطان بتخيلات لا حقيقة لها في الخارج.

وإما أن يكون قد شهد ما وجوده في الخارج، فظن أنه الخالق، وإنما هو مخلوق ليس هو الخالق، فكل شهود وذوق وكشف يدعى فيه أن المشهود بالقلب هو الله تعالى فذلك مما يناقض المعلوم بصريح العقل، ويخالف الكتاب والسنة والإجماع، فإنه يكون المشهود به إما في الذهن وإما في الخارج ولكن ليس هو الله ولا هو ما يقال هو وجوده ولا ذاته". (١)

ولهذا فقد كان كفر هؤلاء الاتحادية أشد من اليهود والنصارى وعباد الأصنام، "فإن هؤلاء يقولون بالحلول المقيد الخاص، وأولئك يقولون بالإطلاق والتعميم، ولهذا يقولون إن النصارى إنما كان خطؤهم لأنهم اقتصروا على بعض المظاهر دون بعض، وهم يجوزون الشرك وعبادة الأصنام مطلقًا على وجه الإطلاق والعموم" (٢).

ويقول الإمام الشوكاني بعد أن ذكر أقوال العلماء في تكفير هؤلاء أمثال ابن تيمية وابن القيم وعبد السلام وابن حجر وابن خلدون ما نصه: "فأنا لا أرضى لهم بمطلق الكفر، بل أقول: لا أعلم أحدًا من مردة الكفرة: النمرود وفرعون وإبليس والباطنية والفلاسفة بل نفاة الصانع، فإن هؤلاء نفوا الصنع فانتفى الصانع، فما


(١) بيان تلبيس الجهمية: (١/ ٣٣٤).
(٢) مجموع الفتاوى: (٣/ ٣٩٦).

<<  <   >  >>