الإخفاق في هذه المهمة، إذ النفس مجبولة على محبة الثواب وإرادته، ولما كان الالتفات إليه في الدنيا مخل بحقيقة الإخلاص انعقد الخلاص بتوجيهه نحو الجزاء الأخروى الذي تعلقت آمال المخلصين بالحصول عليه.
ومن هنا أتى مدح المولى تعالى لخيرة عباده المؤمنين من المصطفين الأخيار، حيث قال في محكم التنزيل:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}، يقول الإمام ابن جرير - رحمه الله - في بيان هذا الركن العظيم من أركان العبادة:"عنى بالدعاء في هذا الموضع: العبادة، كما قال:{وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا}[مريم: ٤٨] ويعنى بقوله: (رغبًا)؛ : أنهم كانوا يعبدونه رغبة منهم فيما يرجون منه من رحمته وفضله (ورهبًا): يعني رهبة منهم من عذابه وعقابه، بتركهم عبادته، وركوبهم معصيته"(١)
بقى التنبيه على حقيقة المحبة التي أنيط الفوز ببلوغ العبد إياها، إن محبة الله تعالى أمر قد فطرت النفوس عليه إذ جبلها الله على محبة من أحسن إليها ولا أحد نعمه لا تحصى إلا إياه ومن هنا كانت محبته مخالطة لبشاشة قلوب الخلق، حتى كان هذا الأصل مما لم ينازع فيه أحد وإنما كان النزاع في حقيقة المحبة المرادة الشرعية، والتي أنيط تحقيق الأمل برضا الله عند تحقيقها في قلب العبد، يتجلى هذا المعنى وضوحًا في قوله تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} هنا علق المولى حقيقة المحبة المرادة بشرط تحققها وهو متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وكما قيل لما كثر المدعون طولبوا بالبينة.
فالمحبة أصل التوحيد ولب العبادة ولكنها لا يمكن أن تتحقق بما يحفظ لها نقاءها مع امتناع الضابط والقائد، فالضابط هو الخوف من عذاب الله تعالى، فحتى