وإيمانًا باستحقاقه لصفات الربوبية والألوهية، وكل ما خلا ذلك من أوهام الصوفية، فلا حجة فيه ولا معتمد.
أما ما ذكره من أن اسمه الحى إذا ردده العبد بعد الصحو من الفناء فإنه يخلع عليه صفة الحياة السرمدية، فهذا باطل ليس له أساس من الصحة، فصفة الحياة لله تعالى من الصفات الذاتية اللازمة، التي تعنى اتصافه بالحياة على جهة لا يماثله فيها أحد، كما في آية الكرسى:{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ}[البقرة: ٢٥٥] فقد نفى تعالى عنه السنة وهى النعاس ليثبت في مقابلها كمال حياته وقيوميته، فأين هذا مما يدعيه أولئك؟ وقد دلت النصوص على جهة لا تحتمل الشك أن كل مخلوق فهو إلى فناء وأن البقاء لله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: ٢٦، ٢٧].
وهذا أيضًا ما يقال في صفة القيومية، فإنه تعالى لما وصف نفسه بالحياة الذاتية التامة، بين أن كل موجود سواه إنما كان بإيجاده له وقيوميته عليه فهو القائم على كل نفس خلقًا ومشيئة إحياء وإماتة، وعلى كل موجود حفظًا ورعاية وإبقاء وإفناء، فهو الحى القيوم الذي قامت به السموات والأرض.
وبهذا يعلم أن الأثر التعبدى للإيمان بهاتين الصفتين إنما يكون باستشعار الذل والافتقار لكمال الواحد القهار الذي بيده ملكوت كل شيء ومن ثم إفراده تعالى بالعبادة دعاء واستغاثة وتوسلًا ومحبة، لا كما يدعى هؤلاء من مزاعم التجلى التي هي صورة من صور الفيض الكفرى الإشراقى الذي جاء به فلاسفة اليونان.
يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله - في وصف حال من ظهر عليه آثار التعبد بهذين الاسمين العظيمين: أن من شهد وصفه تعالى بالحى القيوم فإنه يلمس "في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فقرًا تامًا إليه، من جهة كونه ربًا ومن وجهة كونه إلهًا معبودًا لا غنى له عنه، كما لا وجود له بغيره، فهذا هو الفقر الأعلى الذي دارت عليه رحى القوم، بل هو قطب تلك الرحى، وإنما يصح له هذا بمعرفتين لا بد منهما: معرفة حقيقة الربوبية والإلهية، ومعرفة حقيقة النفس والعبودية، فهنالك تتم