للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- أما من تخطى هذا القيد فهم الكثير من أهل التصوف، روى عن بعضهم أنه قال: "الوقوف مع الظاهر حجاب ظاهر، والترقي عن المظاهر كشف ظاهر" (١).

وفي ترجمة واحد منهم عد المناوى (٢) الأكل في نهار رمضان من دلائل كراماته وسمو أحواله، يقول عنه: "كان من أرباب الأحوال والمكاشفات الخارقة، وكان يحلق رأسه ولحيته وحواجبه، وكان أصحاب النوبة يعظمونه، وكان يأكل في نهار رمضان ويقول: أنا معتوق، أعتقني ربي، وكان من أنكر عليه يعطبه في الحال" (٣).

ويصل ابن عربي إلى قمة الإغراق في الانحراف الفكري عند الصوفية، حتى ذهب إلى أن الكافرين هم الأولياء وقد صدق لأنهم أولياء الشيطان، يقول في تجلى نعت الولى: "هم المجهولون في الدنيا والآخرة المسودة وجوههم عند العالمين لشدة القرب وإسقاط التكليف، لا في الدنيا يحكمون، ولا في الآخرة يشفعون، {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [البقرة: ١٧١]، {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [البقرة: ١٨] " (٤).

ومن هنا ارتبط مقام الولاية بالخفاء والسرية؛ فليس من الممكن الاطلاع على السرائر، وهي أهم ما يجب أن يصلحه العبد بالإخلاص، لذلك فقد أبعد كثير من الصوفية في هذا الجانب، وهو عدم إمكان معرفة الولي، نقل عن أبي يزيد البسطامي أنه قال: "أولياء الله عرائس الله تعالى، ولا يرى العرائس إلا المحرمون، فهم مخدرون عنده في حجاب الأنس، لا يراهم أحد في الدنيا ولا في الآخرة" (٥).


(١) الكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية، عبد الرءوف المناوي: (٣/ ٨٦).
(٢) هو عبد الرءوف بن تاج العارفين بن على بن زين العابدين الحدادي المنادى القاهري الشافعي، شارك في علوم شتي بالتدريس والتصنيف من تصانيفه: غاية الإرشاد في معرفة الحيوان والنبات والجماد، الروض الباسم في شمائل المصطفى أبي القاسم، شرح التحرير في فروع الفقه الشافعي، الكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية، توفي سنة: ١٠٣١ هـ. معجم المؤلفين: (٥/ ٢٢٠).
(٣) المصدر السابق: (٣/ ١٣١).
(٤) انظر: رسائل ابن عربي، كتاب التجليات: ٤٤٧.
(٥) الرسالة القشيرية: ٢٦١.

<<  <   >  >>