للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد لا يصرحون باعتقاد العصمة؛ لمخالفتها مقتضى دلائل الشرع التي تقطع باختصاص الأنبياء في هذا الوصف، فيعبرون لأجل ذلك بالحفظ بدلًا عن العصمة وهذا كثير في مؤلفاتهم.

والحقيقة أنهم لا يريدون به المعنى المراد في الشرع من التزام أوامر الشارع دون درجة الامتناع التام عن المعاصى، ولكنهم يعنون به المعنى الأول وهو العصمة كحال الأنبياء، وكتب القوم وتراجمهم أكبر شاهد على هذا، وقد يقرنون بين حال الأنبياء والأولياء لدلالة الموافقة في معنى العصمة.

يقول الكلاباذى في ذلك: "وقول من قال إن الفانى يرد إلى أوصافه محال، لان القائل إذ أقر بأن الله تعالى اختص عبدًا، واصطنعه لنفسه، ثم قال: إنه يرده، فكأنه قال: يختص ما لا يختص، ويصطنع ما لا يصطنع، وهذا محال، وجوازه من جهة التربية والحفظ عن الفتنة لا يصح أيضًا؛ لأن الله تعالى لا يحفظ على العبد ما آتاه من جهة السلب، ولا بأن يرده إلى الأوضع عن الأرفع، ولو جاز هذا جاز أن لا يحفظ مواضع الفتن من الأنبياء بأن يردهم من رتبة النبوة إلى رتبة الولاية، أو ما دونها وهذا غير جائز، ولطائف الله تعالى في عصمة أنبيائه، وحفظ أوليائه من الفتنة أكثر من أن تقع تحت الإحصاء والعد" (١).

* * *

- وهذا والصوفية في وجوب التخلق بآداب الشريعة لتحقق الولاية على مذاهب مختلفة، فأوائل القوم كانوا يؤمنون بوجوب استقامة حال الولى على أصول الشرع، أما المتأخرون منهم وهم أكثر فلا يرون ذلك شرطًا، بل يجوزون مخالفته ظاهر الشرع؛ ما دام الباطن قد عمر بالإخلاص، الذي هو أساس الولاية كما زعموا، ولهم في ذلك حكايات عجيبة تعج بها المؤلفات التي عنت بترجمتهم.

وممن رأى أن الاستقامة شرط الولاية، موافقًا بذلك المعتد الصحيح، سهل بن عبد الله، يقول: "الولى هو الذى توالت أفعاله على الموافقة" (٢).


(١) التعرف لمذهب أهل التصوف: ١٣٠.
(٢) الرسالة القشيرية: ٢٦٢.

<<  <   >  >>