للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالوجدان النفسى، كمصدر معتمد من مصادر المعرفة، فيسلمون بالتلقى منه في الحكم على كثير من الأمور المتعلقة بالغيب والتشريع؛ مما يؤدى في حقيقة الأمر إلى التقريب بين مقام النبوة والولاية، أو إلى الدمج بينهما، ويفصح عن هذا المعنى أبو حامد الغزالي وهو يحاول تقريب حقيقة النبوة للأفهام، يقول: "ووراء العقل طور آخر تتفتح فيه عين أخرى يبصر بها الغيب وما سيكون في المستقبل. .

وإنما ذكرناها لأن معك أنموذجًا منها وهو مدركاتك في النوم، ومعك علوم من جنسها في الطب والنجوم، وهى معجزات الأنبياء، ولا سبيل إليها للعقلاء ببضاعة العقل أصلًا.

وأما ما عدا هذا من خواص النبوة؛ إنما يدرك بالذوق من سلوك طريق التصوف" (١).

وقد يعتقد بعضهم ارتفاعها على مرتبة النبوة، كما هو عند الغلاة منهم، يقول ابن عربي: "وهذا المقام دائرته أتم وأكبر من دائرة النبوة؛ لذلك انختمت النبوة والولاية دائمة، وجعل الولى اسم من أسماء الله دون النبي" (٢).

وحجته في ذلك أن الولى يأخذ العلم بلا واسطة أما الرسول فلا بد له من واسطة ملك، ولا شك أن في هذا من الكفر والجحود ما ليس يخفى على أحد، يقول شيخ الإسلام بعد ذكر هذه الأوهام الصوفية: "فتدبر ما فيه من الكفر، الذي تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدًّا، وما فيه من جحد خلق الله وأمره وجحود ربوبيته وألوهيته وشتمه وسبه، وما فيه من الإزراء برسله وصديقيه والتقدم عليهم" (٣).

وحتى يتم لهم هذا التقريب المزعوم بين الولاية والنبوة؛ فقد ادعوا العصمة للأولياء، فلا يجوز الاعتراض على حالهم، حتى ولو عارض الشرع في الظاهر،


(١) المنقذ من الضلال: ٥٤.
(٢) فصوص الحكم: ١٢٥، وانظر الواسطة بين الله وخلقه، الدكتور: المرابط الشنقيطي: ٤٨٤.
(٣) فتاوى شيخ الإسلام: (٢/ ٢٠٩).

<<  <   >  >>