للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واكتمال أوصاف العبودية، يقول ابن القيم متممًا حديثه في هذه الحقائق: فـ "ولاية الله تعالى نوعان: عامة وخاصة، فالعامة: ولاية كل مؤمن، فمن كان مؤمنًا لله تقيًا كان له وليًا، وفيه من الولاية بقدر إيمانه وتقواه. .

والولاية الخاصة: إن من علم من نفسه أنه قائم لله بجميع حقوقه، مؤثر له على كل ما سواه في جميع حالاته، قد صارت مراضي الله ومحابه هي همه، ومتعلق خواطره، يصبح ويمسي وهمه مرضاة ربه، وإن سخط الخلق؛ فهذا إذا قال: أنا ولي الله، كان صادقًا" (١).

وإذا علمت حقيقة الولاية أدركت درجات التفاضل بين الأولياء فيكون "أفضل أولياء الله هم الأنبياء، وأفضل الأنبياء هم المرسلون، وأفضل الرسل هم أولو العزم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، ومحمد - صلى الله عليه وسلم -، وأفضل أولي العزم نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهو الذي أنزل سبحانه عليه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} فجعل سبحانه صدق محبة الله عز وجل متوقفة على اتباعه، وجعل اتباعه سبب حصول المحبة من الله سبحانه" (٢).

فبتحقق الاتباع من العبد وفق الطريقة النبوية؛ يتحقق البرهان الأوحد على صدق المحبة التي هي أصل الولاية وغايتها، فعلاقة الاتباع بالولاية حينئذ علاقة تلازم واقتضاء لا يصلح انفكاكها عنه، وإلا فسد الإدعاء وصار كحال اليهود والنصارى حيث قالوا: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُه}، فجاء الرد عليهم بما يدل على عدم إتيانهم بمقتضى المحبة من الاتباع والتزام أسباب النجاة: {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [المائدة: ١٨].

وقد أكد الصاوي على أن هذه هي حقيقة الولي في مقابل الدعي الذي لم يلتزم طريق الولاية الحقة من اتباع الطريقة النبوية، فخالفها إلى الابتداع بارتكاب أمور ما


(١) بدائع الفوائد: (٣/ ٦٢١).
(٢) قطر الولى على حديث الولى، للشوكاني: ٢٣٨.

<<  <   >  >>