إن هذا القرآن الذي جاء ليخاطب الفطرة الإنسانية بما أودع فيها من ركائز، ليسمو بالمخاطب في درجات العبودية بحثه على إعمال تلك الركائز المودعة فيه، فيجعل منها طريقًا يصل به إلى إدراك أسمى المعارف والعلوم الدينية، فليس ثمة تناقض بينها، وليس في اعتمادها ما يشين العبد، كما يظن أمثال هؤلاء المتصوفة، إن السبيل الأوحد لمرضاة الله تعالى هو موافقة المنهج القرآني، الذي يرسم الطريق الأمثل في إدراك حقائق العبودية، ذلك السبيل الذي يتسم بتحقيق التوازن بين القدرات البشرية، وبين متطلبات العبودية، دون إفراط أو تفريط.
- ومما اشترطه الصاوي لأجل الولاية الحفظ، وعلل ذلك بأنه من كان للشرع عليه اعتراض فهو مغرر مخادع، ومع ما قدمت من بيان أصل هذا المعتقد عند الصوفية، وأن مقصودهم بذلك هو اعتقاد العصمة للولى، بحيث لا يمكن أن يتردى عن هذه المنزلة التي وصل إليها، واعتمدت من كلامهم الكثير في هذا مما أورده الكلاباذي، حيث عمد إلى عقد مقارنة بين النبي والولي، ببيان أنه كما لا يجوز سلب مقام النبوة عن النبي بعد اختياره لها، فكذلك لا يجوز هذا في حال الولي.
فإذا كنت قد أشرت إلى أن مرادهم بهذا الحفظ هو عدم الاعتراض على الولي؛ حتى ولو أتى بما يخالف الشرع، فإن ما وقع به الصاوي من التناقض في هذا المجال، ليدل صراحة على هذا المعنى، حيث أوجب على المريد تعظيم الشيخ، وعدم الاعتراض عليه، حتى ولو أتى بما يخالف ظاهر الشرع، وأن على المريد تأويل تلك المخالفة بما لا يخلع عن الولي مهابة الحفظ، التي توجب الاتباع والتقدير.
يقول شيخ الإسلام في بيان حقيقة الحفظ: "وكثير من الغلاة في المشايخ يعتقد أحدهم في شيخه نحو ذلك، ويقولون: الشيخ محفوظ، ويأمرون باتباع الشيخ في