المشروع، الذي لا يخرج العبد من دائرة التوحيد فحقيقته أخذ بالأسباب المشروعة الممدوحة، التي جاء بها الوحي المظهر.
ويظهر من كلام الصاوي هنا تشبثه بنفي السببية حتى أنه يرجع حصول البركة من المشايخ بالاقتران العادي لا بالسبب المقتضى، ولا شك أن هذا يظهر تمسكه بأشعريته حتى في تحرير كلام الصوفية واعتقادهم في أوليائهم، وإن كان الحديث هنا منصبًا على بيان حقيقة البركة المشروعة ورد ما عداها من المبتدعة، فإن القول بأن البركة التي تحصل شرعًا من المشايخ ترجع إلى مجرد العادة لا السبب القدري فهذا غير صحيح، لأن الله تعالى هو خالق الأسباب ومسبباتها فكونه تعالى يخلق السبب سواء كان شرعيًا أم كونيًا في أمر من الأمور فإن هذا يؤكد على حقيقة تأثيره بمشيئة الله وتقديره، فلو شاء لأبطل الأسباب ولو شاء لتحقق مقتضاها مع توفر شروطها وانتفاء موانعها.
أما عن التبرك الغير مشروع، نعود إلى التأكيد على أهمية التوحيد، فإن من أسمى مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ الدين، وأساس الدين توحيد الله تعالى وإخلاص العبادة له، فهو حق الله الأعظم الذي أنيط بتحققه قبول العمل الموجب لدخول الجنة والنجاة من النار.
فلا غرو إذًا أن يأتي الشارع الحكيم بسد ذرائع الشرك التي كانت سببًا في وقوع أمم من الجن والإنس في الشرك الأكبر المخرج من الملة، ولعلي أذكر أمثلة لحرص المصطفى - صلى الله عليه وسلم - على صفاء المعتقد وخلوصه من أدران الشرك، فـ "عن عبد الله بن الشخير قال انطلقت في وفد بني عامر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلنا: أنت سيدنا، فقال:(السيد الله تعالى)، قلنا: وأفضلنا فضلًا، وأعظمنا طولًا، فقال:(قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان)(١).
وهذا كله من حماية النبي - صلى الله عليه وسلم - جناب التوحيد، وكما قال لمن قال تعالوا بنا
(١) أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الأدب - باب في كراهية التمادح، رقم الحديث: ٤٧٧٣: (٥/ ٢٧٨) وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم: ٤٠٢١: (٣/ ٩١٢).