للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجزم بشموله مما يقضى بظنية تعميمه على المجموع، ومن هنا فإن الأساس الذي أقاموا عليه برهان القياس المنطقى مهدد بالنقض من أساسه عند وجود المعارض المقتضى لذلك.

إذ الاستقراء ينقسم إلى نوعين بحسب ما يستند إليه من مرجعية الحكم، فقد يكون استقراءً تامًا بحيث تصدق لفظة (كل) على جميع أفراد الموضوع: المحكوم عليه، كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كل مسكر خمر، وكل خمر حرام) (١)، وقد حكم عليه بأنه استقراء تام لأنه وحى معصوم، فتصديقه من تصديق المرسل سبحانه وتعالى.

أما الاستقراء الناقص فهو كل حكم على الموضوع كان أساسه التجربة، ومن المعلوم أن التجربة الحسية دلالة تعميمها ظنية، إذ الحكم على الأفراد إنما يتحقق صدقه على من وقعت عليه التجربة حقًا، أما ما خلا ذلك فهو قياس ذهنى قد يتعرض لنقض من فرد واحد، ققول القائل: كل نار محرقة، إنما توصل إليه بما شاهده من النيران التي جربها بحواسه، أما ما خلا ذلك فهو قياس توصل إليه بالأفراد الذين تحقق من صدق الحكم عليهم، لذا فإن هذا الحكم قد يتطرق إليه النقصان بمخالفة فرد من أفراد النيران لهذا التعميم، كالنار التي ألقى فيها إبراهيم - عليه السلام - فإنه تخلف إحراقها بأمر الله تعالى، والذي أريد أن أتوصل إليه هنا أن كل تعميم بنى على الاستقراء التجريبى فهو استقراء ناقص، إذ أساس تحكيمه إعمال قياس الغائب على الشاهد وقد علم إمكان تطرق المنع إليه والذي يقضى بانتقاضه من أصله.

- ومن جهة أخرى فإذا كان العلم بصدق هذه القضية الكلية ضروريًا أو كما يعبر عنه بالبدهى امتنع وجود الحاجة إليها، ومثال ذلك قول المتكلمين كل حادث له محدث فإن هذه القضية الكبرى التي هي مقدمة البرهان يمكن الاستغناء عنها


(١) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الأشربة - باب بيان أن كل مسكر خمر، رقم الحديث: ٥١٨٩.

<<  <   >  >>